(٧٧١) الرؤية الاستراتيجية لمسؤولياتنا المهدوية
الرؤية الاستراتيجية لمسؤولياتنا المهدوية
مجتبى السادة
إنّ قراءة القضية المهدوية برؤية استراتيجية وببصيرة ثاقبة، ومعرفة الأهداف الكبرى للمهدوية ومتطلبات المسيرة التمهيدية وأولويات المرحلة المعاصرة والانفتاح الواعي على الأبعاد الفكرية للانتظار، كل ذلك يدفعنا لامتلاك منهج فكري وعملي يتناغم مع تحقيق ممهدات وشرائط اليوم الموعود.. ومن هذا المنهج تنبعث ركيزة تعريف المهدوية للشعوب والأمم الأخرى غير المسلمة، فتتجلى لنا بوضوح بعض الأهداف والرؤى من وراء ذلك:
إن الهدف الأساسي للمهدوية هو نشر التوحيد والعدل في كافة العالم، وكذلك التغيير الشامل لأنظمة الظلم والجور في كل أقطاب الأرض المعمورة، وفي سياق تحقيق هذا الهدف الكبير وجب علينا نقل الأطروحة المهدوية بحقيقتها للأمم الأخرى، وإيصال رسالتها وأهدافها، وتوضيح ضرورتها الحضارية وفوائدها على الناس جميعاً.. لكي يتسنى لهذه الشعوب العارفة والمطلعة على حقيقة المهدوية أن تعيش حالة الانشداد الفطري للمخلص الموعود، وأن تؤمن به حين ظهوره فتُؤيِّده وتُؤازِره.
إن إيمان الشعوب المختلفة بالمهدوية ومشروعها العالمي وأهدافها الربانية من أبرز مظاهر التمهيد للظهور، فبقدر ما ينتشر نطاق معرفته، وتتنوع أطياف المؤمنين به، وتتوسع قاعدته الشعبية في كل الأمم والحضارات، ويزداد عدد الأتباع والمريدين، بقدر ما نكون قطعنا شوطاً عملياً للتوطيد الفعلي لليوم الموعود، ونكسب رصيداً جماهيرياً للإمام (عليه السلام) حين خروجه.
شَرائط الظهور ذات أبعاد ومقدمات استراتيجية هامة يتحتم توافرها في بداية نشوء حركة (الفتح المهدوي العالمي) ليكون الظهور ناجز الوعد، ومن أبرز هذه الشروط ومقومات النجاح، هو يأس شعوب العالم من الأنظمة والقوانين الوضعية التي لم تحقق طموحها وفشل الحلول التي طرحتها.. فعندما تتعرف هذه الشعوب على الأطروحة المهدوية بأهدافها وأساليبها ونتائجها، يجعل أملهم ينحصر في نهضته وحضارته، مما يهيئ أفضل الأرضيات لتقبل اليوم الموعود وتعليماته.
إن رؤية واضحة للأهداف المهدوية والتغيير الجذري والشامل الذي سيحققه الإمام (عليه السلام) في مسار تاريخ البشرية، يتطلب بصيرة ثاقبة ونظرة مستقبلية لتطور المجتمع البشري، وقبل ذلك تهيئة الظروف العالمية المناسبة وعلى كافة الصعد ومنها الناحية الفكرية والثقافية للأمم والشعوب المختلفة لتقبل نهضته، مما يضمن ويؤكد نجاح حضارة آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وتحقيق أهدافها المنشودة.
من مظاهر الارتباط الحقيقي بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الاقتداء به واتخاذه أسوة ونموذج يحتذى به، فأهداف الإمام (عليه السلام) عظيمة وغاياته كبيرة، مما يستوجب لبلوغ هذه الأهداف بذل جهود بحجمها، ولا شك فأن قيام دولة العدل الإلهي وبسط هيمنتها على العالم أجمع، وإيصال البشرية إلى ذروة تطورها وكمالها يحتاج إلى جهودٍ لا حد لها وبرؤية حضارية.. ومن أبجديات هذه الجهود وأبسطها تعريف شعوب العالم بهوية المخلص الموعود وأطروحته وحقائق عن نهضته، وذلك للمشاركة والتمهيد لتحقيق أهدافه (عليه السلام).
الواقع العالمي الراهن لا يخلو من وجود حركات تآمرية خبيثة ضد المهدوية، تتخذ تارة طابعاً سياسياً وتارةً أُخرى طابعاً فكرياً، وتعمل للقضاء عليها في وجدان الأمة الإسلامية، وتحاول تحجيمها في إطار مذهبي خاص وعدّها من العقائد الخرافية.. ويقف وراءها مخابرات دولية معادية للإسلام وللمخلص الموعود، وتطمح إلى تفريغ المهدوية من محتواها الحقيقي، وتشويه مكانتها عند المؤمنين بها، فتتضاءل حالة الاستعداد ويفتر حماس الشعوب والجماهير لها، وهكذا تموت فاعلية ثقافتها وقتل روحيتها الإيجابية والتفاؤلية في المجتمعات.. وعلى العكس من ذلك فإن تحمل مسؤوليتنا الحضارية ونشر الحقائق الأصيلة عن المهدوية وتعريف الآخرين بها وترويج المنظومة المعرفية بخصوصها على الأمم والحضارات، سيصيب مآرب الأعداء في مقتل، فتتحصن الشعوب المطلعة على حقيقتها، وتنشأ ثقافة لدى الرأي العام العالمي بعدم الاصطفاف مع أعداءها، وقد يكونوا من أشد المناهضين لمؤامراتهم الخبيثة.
لو استطعنا أن نوصل (حقيقة مهدوية أهل البيت عليهم السلام) إلى نخبة الشعوب ومثقفيها برؤية تناسب عقليتهم وفكرهم وبلغتهم الأصلية ليدرسوا ويتأملوا في حقائق وكيان وطبيعة المهدوية الربانية، لأدينا جانباً وقسطاً من المسؤولية الملقاة على عاتقنا في تعريف الأمم والشعوب بآخر أنوار آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) والذي تتحقق على يديه سعادة البشرية جمعاء.