(٨٠٠) أدلَّة إمامة المهدي (عجّل الله فرجه) (١)
أدلَّة إمامة المهدي (عجّل الله فرجه) (1)
الدكتور إحسان الغريفي
لقد أجمع المسلمون على ظهور المهدي (عجّل الله فرجه)، فهناك نقاط كثيرة مشتركة فيما بينهم حول خروجه وإمامته وغير ذلك من أوصافه الَّتي نَصَّت عليها الأحاديثُ الصريحة والصحيحة، ويَدُوْرُ الْخِلَافُ فِيْ مَسْأَلَةِ الْأَمَامِ الْمَهْدِيِّ (عجّل الله فرجه) بين مدرسة أهل البيت ومدرسة الصحابة حَوْلَ نُقْطَتَينِ رئيسيَّتين:
الْنُّقْطَةُ الْأُوْلَىْ: حَوْلَ وِلَادَته وحَيَاتِهِ.
وَالْنُّقْطَةُ الْثَّانِيَةُ: حَوْلَ اسْمِ أَبِيْهِ؛ فَإِنَّ أَغْلَبَ أتباع مدرسة الصحابة يَعْتَقِدُوْنَ بِأَنَّ الْمَهْدِيَّ سَوْفَ يُوْلَدُ، وَقَدْ عَقَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْسُّنَّةِ فِيْ سُنَنِهِمْ بَاباً بِإسْمِ (الْمَهْدِيّ)؛ مِنْهُمْ: عَبْدُ الْرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيُّ فِيْ كِتَابِهِ الْمُصَنَّفُ، وَسُلَيْمَانُ بْنِ الْأَشْعَثِ السّجِسْتَانِيُّ الْمُكَنَّى بِأَبِيْ دَاوُدَ فِيْ سُنَنِهِ، وَالْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيْدَ الْقَزْوِينِيُّ الْمُكَنَّى بِأَبِيْ مَاجَةَ فِيْ سُنَنِهِ، وَجَمَعَ الْسّيُوْطِيُّ في كتابه الدر المنثور مُعْظَمَ الْأَحَادِيْثِ الْوَارِدَةِ فِيْ الْمَهْدِيّ مِنْ كُتُبِ الْصِّحَاحِ وَالْسُّنَنِ.
كَمَا أَلَّفَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْسُّنَّةِ كُتُباً مُفَصَّلَةً عَنْ الْمَهْدِيّ الْمُنْتَظَرِ (عجّل الله فرجه) مِنْهَا: عُقَدُ الدُّرَرِ فِيْ أَخْبَارِ الْمُنْتَظَرِ لِيُوْسُفَ بْن يَحْيَىَ بْن عَلِيِّ الْمَقْدِسِيِّ الْشَّافِعِيِّ السُّلَمِيِّ، وَالْعَرْفُ الْوَرْدِيُّ فِيْ أَخْبَارِ الْمَهْدِيِّ لِلْحَافِظِ جَلَالِ الْدِّيْنِ الْسّيُوْطِيِّ، وَالْبُرْهَانُ فِيْ عَلَامَاتِ مَهْدِيّ آخِرِ الْزَّمَانِ، وَالْبَيَانُ فِيْ أَخْبَارِ صَاحِبِ الْزَّمَانِ. وَأَمَّا الْشِّيْعَةُ فَكُتُبُهُمْ الَّتِيْ تَتَحَدَّثُ عَنِ الْمَهْدِيِّ (عجّل الله فرجه) أَكْثَرُ مِنْ كُتُبِ الْسُّنَّةِ، وَهُمْ يَعْتَقِدُوْنَ بِأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ، وَهُوَ لَازَالَ حَيّاً يَعِيْشُ بَيْنَ الْنَّاسِ، مُتَخَفِّياً غَيْرَ مُعْلِنٍ عَنْ شَخْصِيَّتِهِ، وَأَنَّ الْنَّاسَ لَا يَعرفُوْنَ أَنَّهُ هُوَ الْإِمَامُ الْمَوْعُوْدُ، فَإِذَا جَاءَ زَمَنُ ظُهُوْرِهِ سَيُعْلِنُ عَنْ نَّفْسِهِ، وَيُعَرِّفُ الْنَّاسَ بِشَخْصِهِ.
أمَّا أتباع مدرسة الصحابة، فيَعْتَقِدُونَ بِأَنَّ اسْمَ أَبِيْهِ (عَبْدُ الله)، وَهُوَ عِنْدَ الْشِّيْعَةِ ابْنُ الْإِمَامِ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) . وهاتان النقطتان الخلافيتان يمكن التوصُّل إلى حلِّهما من خلال الحوار الهادف، والبحث العلمي المنصف للوصول إلى الحقيقة بعيداً عن العصبية والانحياز.. وهناك فِكْرَة شَاذَّة تبنَّاها بعضُ المتطرفين تَقُوْلُ: إنَّ شَخْصِيَّةَ الْمَهْدِيّ وَهْمِيَّةٌ، فَلَا يُمْكِنُ ظُهُوْرُهُ، وَهَذَا الْرَّأْيُ يفتقر إلى الدليل الرصين والحجة الصحيحة، فَمَا سَنُوْرِدُهُ مِنْ الأدلَّة والبراهين، يَكُوْنُ كَافِياً لِلْرَّدِّ عَلَيْهِ، فمن الآيات الدالة على المهدي (عجّل الله فرجه) في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الزخرف/61]، قال ابن حجر الهيتمي: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾، قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين: إن هذه الآية نزلت في المهديّ.(1)
ومنها قوله تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ [القدر/3، 4].
وهذه الآية يمكن الاستدلال بها على حياة الإمام المهدي؛ فقد أجمع المسلمون بتكرار ليلة القدر كلّ عام في شهر رمضان، وإذا لاحظنا الفعل تَنَزَّلُ فإنَّه ورد بصيغة المضارع الذي يدلُّ على الحدوث والتجدد، وليس في الآية ما يشير إلى توقف الملائكة عن النزول في ليلة القدر، قال أبو جعفر النحاس المتوفَّى سنة 338 هـ: قال الحسن: تنزل الملائكة بالروح أي بالنبوة، وروى معمر عن قتادة: تنزل الملائكة بالروح، قال: بالوحي والرحمة، قال أبو جعفر: وهذا قول حسن.(2)
فعلى هذا، لا يمكن القول بنزولها على أيّ شخص كان، بل لابدّ من وجود شخص يكون أهلاً لنزول الملائكة عليه، فعلى مَن تنزل في زماننا هذا؟ فلابد من نزولها على خليفة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو الإمام المعصوم الذي هو إمامنا المهدي (عجّل الله فرجه)، فالإمام حي بمقتضى هذه الآية.
قال الشيخ الكليني: وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) كثيراً ما يقول: اجتمع التيميّ والعدويّ عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو يقرأ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾[القدر/1] بتخشّع وبكاء فيقولان: ما أشد رقتك لهذه السورة؟ فيقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): لما رأت عيني ووَعَى قلبي، ولما يرى قلب هذا مِن بعدي فيقولان: وما الذي رأيت وما الذي يُرَى؟
قال: فيكتب لهما في التراب تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ
قال: ثم يقول: هل بقي شيء بعد قوله عز وجل: كُلِّ أَمْرٍ؟
فيقولان: لا. فيقول: هل تعلمان من المنزل إليه بذلك؟
فيقولان: أنت يا رسول الله، فيقول: نعم، فيقول: هل تكون ليلة القدر من بعدي؟
فيقولان: نعم، قال: فيقول: فهل ينزل ذلك الأمر فيها؟ فيقولان: نعم، قال: فيقول: إلى مَنْ؟
فيقولان: لا ندري، فيأخذ برأسي ويقول: إن لم تدريا فادريا، هو هذا مِن بعدي.
قال: فإن كانا ليعرفان تلك الليلة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من شدة ما يداخلهما من الرعب.(3)
الهوامش:
(1) الصواعق المحرقة لابن حجر: 247، [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم/ الآية الثانية عشرة].
(2) معاني القرآن للنحاس: 4 / 53.
(3) الأصول من الكافي: 1 /249[كتاب الحجة]، صححه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، المطبعة: حيدري، ط. السابعة .