البحوث والمقالات

(٨٠٤) أدلَّة إمامة المهدي (عجّل الله فرجه) (٥)

أدلَّة إمامة المهدي (عجّل الله فرجه) (5)

الدكتور إحسان الغريفي

لقد تبيّن من الحلقات السابقة، أنَّ الإعتقاد بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، يعدُّ مِن العقائد المسلَّمة عند المسلمين، وإنَّما الخلاف في مولده وهل هو مِن نسل الإمام الحسن (عليه السلام)، أو من نسل الحسين (عليه السلام) فنحن نعتقد بحياته، وأنَّه مِن نسل الإمام الحسين (عليه السلام) طبقاً للروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، إضافة إلى أدلة أخرى، وأمَّا أتباع مدرسة الصحابة فهم يعتقدون بأنَّه سيولد وأنَّه مِن نسل الإمام الحسن (عليه السلام)، وذلك بالإعتماد على روايات ضعيفة لا تصمد أمام التحقيق، ومِن هذه الروايات ما رواه أبو داود في سننه: عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ (رضي الله عنه) وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ فَقَالَ: إِنَّ ابني هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ يُشْبِهُهُ في الْخُلُقِ وَلاَ يُشْبِهُهُ في الْخَلْقِ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً.(1) وهذه الرواية ضعَّفها الألباني. فلا دلالة فيها على كون المهدي مِن ولد الإمام الحسن (عليه السلام).
وقد استند ابن تيمية وغيره على رواية تزعم أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ لَطَوَّلَ الله ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً).(2)
فقالوا: إنَّ المهدي هو محمد بن عبد الله لا محمد بن الحسن محتجين بهذه الرواية، وهذه الرواية لا يصح الاعتماد عليها في بناء هذا الاعتقاد، وذلك للأسباب التالية:
أوَّلاً- عدم صحة الزيادة الَّتي بنوا عليها اعتقادهم الخاطئ؛ لأنها وردت عن طريق (عاصم بن بهدلة)، وسمعها ابن عيينة منه، فأضاف عليها هذه الزيادة (واسم أبيه اسم أبي)، بدليل أنَّ ابن عيينة روى هذه الرواية عدّة مرات مِن دون ذكر اسم أبيه، فلو كانت الزيادة مِن عاصم لما تردد فيها ابن عيينة، ويدعم هذا ما قاله نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي، أبو عبد الله وهو أول من جمع (المسند) في الحديث، فقد قال:
حدثنا ابن عيينة عن عاصم عن عبد الله عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (المهدي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي وسمعته غير مرة لا يذكر اسم أبيه).(3)
فهذه الإضافة( وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي)، مِن وضع الرواة الذين رووا عن عاصم؛ لأنَّهم هم بأنفسهم رووا أحاديث عدم الزيادة عن عاصم، مع أنَّ هناك مجموعة مِن الرواة رووا عن عاصم عدم زيادة (وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي)، فلو كانت الزيادة موجودة وسمعوها عن عاصم لرواها هؤلاء، ولعلَّ هذا الاضطراب الحاصل مِن الراوي كان أحد الأسباب الَّتي أدَّت إلى اتِّهام عاصم بضعف الحفظ.. ومما تقدم يعلم أن زيادة (واسم ابيه اسم أبي) ليست بحجة في رواية عاصم.
ثانياً- ضعف سند الرواية الَّتي وردت فيها زيادة (وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي)؛ وذلك لورود رواة ضعاف في سندها، أسقطهم كبار علماء الجرح والتعديل مِن علماء السنَّة.. فلا تجد رواية من تلك الروايات الَّتي روت هذه الزيادة إلاَّ وفيها مَن ضعفوه أو اتهموه، وهؤلاء الرواة هم:
1- (فطر بن خليفة): اتّهموه بسوء المذهب.
2- (يحيى بن يمان العجلي أبو زكريا الكوفي): قال أحمد بن حنبل: ليس بحجة. وقال البخاري: فيه نظر.
3- (عبيد الله بن موسى بن أبي المختار واسمه باذام العبسي): ضعفه البخاري. وعدَّه الحافظ أبو مسلم البغدادي من المتروكين.
4- (داود بن المحبر بن قحذم بن سليمان بن ذكوان الطائي): ضعفه أبو زرعة، وأحمد بن حنبل، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث غير ثقة، وقال الدار قطني: متروك الحديث.
5- (رشدين بن أبي رشدين): ضعفه أحمد بن حنبل. وأبو زرعة.
6- (الوليد بن مسلم): وصفه الدار قطني بأنَّه يروي عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، وقال أحمد بن حنبل: كان رفاعاً كثير الخطأ. وقال أبو مسهر: كان يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم.
7- (زائدة بن سليم): وصفه البخاري بأنه: منكر الحديث، لا يتابع على حديثه.
8- (داود بن المحبر بن قحذم بن سليمان): كذبه أحمد بن حنبل والبخاري.
9- (سليمان بن قرم): ضعفه يحيى بن معين، وأبو زرعة .
وهكذا يتبيّن ضعفُ سند الروايات التي ذكر فيها (واسم أبيه اسم أبي)، إضافة إلى ذلك فهي غير صالحة للاستشهاد بها لأسباب عديدة.

الهوامش:
(1) سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني: 673 [ح. 4290/ كتاب المهدي]، ضبطه: محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية- بيروت-لبنان،ط. الثانية؛ 2005م- 1426هـ.
(2) نفس المصدر السابق: 671[ح. 4282/ كتاب المهدي].
(3) كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي: 227، تحقيق وتقديم: الدكتور سهيل زكار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ط. 1414هـ- 1993م.

البحوث والمقالات : ٢٠٢١/١١/٢٩ : ٤.٢ K : ٠
: الدكتور إحسان الغريفي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.