(٨٢٣) نفحات مهدوية
نفحات مهدوية
عبد المحسن مزهر
إليك سيدي يا ابن الحسن.. يا حجة الرب الجليل على الخلق أجمعين.. أتوجه متضرعاً وكلي أمل في قبول ما ستخطه أناملي فيك ومن أجلك، وهذا شرف لا يدانيه شرف.. فإن لم أكن أهلاً لذلك فمن على مولى محب لكم، متشوق لخدمتكم بقبول بضاعتي: ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾. [يوسف:88]
المهدي (عجّل الله فرجه) الأمل:
إن ترادف المفردات ظاهرة لغوية موجودة في اللغة العربية ،وعرفها أهل العلم بأنها: دلالة عدد من الكلمات المختلفة على معنى واحد، مثل: (الجود، والسخاء، والأريحية، والندى، والسماحة، والكرم، والبذل)، و(رأيت الشيء، وأبصرته، وعاينته، وشاهدته)، و(عام، سنة، حول)، و(طبيعة فلان، وخلقه، وسجيته، وسليقته، ونقيبته)، ولكن هل مرّ بأحدكم ترادف مفردتي (المهدي، والأمل)؟
هذا سر من أسرار آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) أودعه الله تعالى فيهم، وخصّهم به مع جملة ما اختصهم من فضائل ومناقب ومكارم لم يهبْها أحداً من العالمين غيرهم؛ لأنهم صفوة الخلق، والمهدي (عجّل الله فرجه) هو صفوتهم فهو (عجّل الله فرجه) صفوة الصفوة، هو الأمل المنشود، ورحم الله الطغرائي إذ قال:
أعلّلُ النفسَ بالآمالِ أرقبها * ما أضيق العيش لولا فسحةُ الأملِ
أي والله لقد اسودت الدنيا بوجوهنا سيدي يا ابن الحسن، وضاقت علينا الأرض بما رحبت، هذه أصوات الثكلى تعج إلى السماء يرافقها عويل اليتامى، ويصحبها صراخ الأرامل (إلهي عجل لوليك الفرج)، يا فرج الله أنت الأمل المؤمل، وبوجود هذا الأمل تنتظم الأمور – لو تأملنا – وإلا لانفرط عقد التوازن تحت شدة وطأة الأزمات الفاجعة التي ألمّت، وتلم بجموع المؤمنين المنتظرين.
الانتظار الممدوح:
كلنا ندعي بأننا من المنتظرين لظهور الطلعة الحميدة والغرة الرشيدة، ولكن هل تأملنا أي نوع من الانتظار ينبغي أن نتحلى به حتى نعدّ من المنتظرين حقاً، وننال أجر الانتظار.
نعم أيها الإخوة، فالانتظار على نوعين: سلبي وإيجابي، وبالتأكيد كلنا يسعى لأن يكون انتظاره إيجابياً حتى يُكتب من السعداء، والمقصود بالانتظار السلبي هو ذاك الذي يكون صاحبه المتصف به خاملاً، متقاعساً، مبتعداً عن أداء الواجبات، متّكلاً في كل صغيرة وكبيرة على الظهور المبارك، وهذا ما لا يرتضيه أئمتنا لشيعتهم ومحبيهم باعتبارهم أوائل المعنيين بهذا الأمر الإلهي.
أما الانتظار الإيجابي هو ما امتدحته النصوص الشريفة الواردة عن النبي الأعظم والعترة الطاهرة (صلوات الله عليهم أجمعين) كقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله (عزَّ وجل))، وكقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (من رضي عن الله بالقليل من الرزق، رضي الله عنـه بالقليل من العمل، وانتظار الفرج عبادة).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فان أحبَّ الأعمال إلى الله (عزَّ وجل) انتظار الفرج، وقال سيد العابدين (عليه السلام) :من ثبت على ولايتنا في غيبة قائمنا أعطاه اللهُ أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر واحد.
عن الفيض بن المختار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من ماتَ منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه قال: ثم مكث هنيئة ثم قال: لا بل كمن قارع معه بسيفه، ثم قال: لا والله إلا كمن استشهد مع رسول الله (صلّى الله عليه واله).
بركة وجود الإمام (عجّل الله فرجه):
إن مجرد تفكير الفرد المؤمن بأن الإمام (عجّل الله فرجه) حيٌّ بيننا، وإن كنا نجهل شخصه، لكننا بالتأكيد لا نحرم فيضه وبركاته، وهذا ما يضفي مزيداً من الطمأنينة والسكينة للنفوس المؤمنة به (عجّل الله فرجه)، وهنا أعطي مثالاً واحداً على بركة وجود الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) بيننا لو تأملنا فيه ملياً لأعطانا نتائج نافعة لديننا ودنيانا، وهو حينما يقف أحدنا لصلاة الفرائض اليومية في أوائل أوقاتها الشريفة، فليستحضر في نفسه أن إمامنا (عجّل الله فرجه) يقف للصلاة هو أيضاً في ذات الوقت، وهذا يعطينا إحساساً رائعاً بالأمل بقبول صلاتنا؛ لأنها سوف ترفع مع صلاة الإمام، وهي صلاة كاملة متقبلة لا نقص فيها مقابلة مع صلاتنا التي فيها ما فيها، وهنا حاشى كرم الله تعالى أن ينتقي الجيد ويرد القبيح، فيعترينا الأمل برحمته تعالى أن يمنَّ بلطفه، فيقبل صلاتنا ببركة صلاة إمامنا (عجّل الله فرجه).