البحوث والمقالات

(٨٣١) ضرورة الاعتقاد بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأدلة وجوده

ضرورة الاعتقاد بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأدلة وجوده

السيد عبد النافع الموسوي

تمهيد:
الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه): هو الإمام الذي بشر به القرآن المجيد والنبي الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو الذي نعتقد أن الله تعالى سيظهر به الإسلام على الدين كُله ويملأ به الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تمتلئ ظلماً وفساداً، وهو الذي يصلي خلفه عيسى (عليه السلام) وهو عند جميع فرق الإسلام من ولد علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء بنت محمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو ابن الإمام الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي السجاد بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين) عند الشيعة الإمامية.
وقضية الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أعرف وأوضح من أن يستدل عليها لأنها قضية السماء والقرآن وأهل البيت (عليهم السلام)، فهي قضية الإسلام العزيز؛ بل يمكن أن يدعى بضرس قاطع أنها ليست قضية ثابتة بالأدلة التي تأبى الجدل فحسب، بل هي دليل على أحقية الإسلام المحمدي الحق، فهي دليل على صحة وصدق وحقانية مذهب الإمامية لإجماع علماء الإسلام على أن المهدي من أهل البيت من آل محمد الأطهار (عليهم السلام) وبالخصوص من ولد علي وفاطمة حتى الذين لم يقولوا بإمامة الأئمة من قبله أذعنوا بهذه الحقيقة، لأن كثرة الأدلة وتواترها أخذت بأعناقهم راضين أو مرغمين للتسليم بأن مهدي هذه الأمة هو من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) فتوقف هنا وتأمل.
حتى الذين عدّوا خلفاء اثني عشر فيهم من غير آل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سلَّموا بأن المهدي هو من ولد علي وفاطمة (عليهم السلام)، فسبحان الله ما أجلى بيناته وأصرح حججه على عباده؛ فلننظر ولنتدبر في الآيات أولاً:
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33؛ الصف: 9).
وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105).
وقال جل وعز: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ﴾ (القصص: 5).
وقال عز من قائل: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرضِ﴾ (النور: 55).
فالقرآن الكريم يتحدَّث عن ظهور الإسلام على جميع الأديان ووراثة الأرض من العباد الصالحين ومنٍّ على المستضعفين في الأرض وجعلهم أئمة وقادة وسادة واستخلافاً للمؤمنين فيها، وكل ذلك مفسر بظهور دولة العدل الإلهي على يد المهدي من آل محمد (عليهم السلام)، وهذا المعنى قد شحنت به كتب الحديث والتفسير عند الفريقين حتى صار من الضروريات والبديهيات.
فعلى سبيل المثال جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد سؤاله عن قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾ (الفتح: 28)، قال: «أظهر بَعْدُ ذلك»؟ قالوا: نعم، قال: «كلا، فوالذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلّا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلّا الله بكرة وعشياً»(1).
وعن المفضل، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نظر إلى علي والحسن والحسين (عليهم السلام) فبكى، وقال: أنتم المستضعفون بعدي»، قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك يا بن رسول الله؟ قال: «معناه أنكم الأئمة بعدي، إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ﴾ [القصص: 5]، فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة»(2).
أمّا الأحاديث ففي أعلى مستويات الصراحة في المدعى، فعن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»(3).
وأيضاً روى هذا المعنى البخاري في التاريخ الكبير عن سعيد بن المسيب أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «المهدي من ولد فاطمة»(4).
وروى أحمد بن حنبل في مسنده عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا تقوم الساعة حتى تمتلأ الأرض ظلماً وعدواناً»، قال: «ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(5).
وروى ابن ماجة عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة»(6).
والترمذي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»(7).
وفي غيبة الطوسي عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول على المنبر: «إن المهدي من عترتي، من أهل بيتي يخرج في آخر الزمان ينزل الله له من السماء قطرها، ويخرج من الأرض بذرها، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملأها القوم ظلماً وجوراً...»(8).
والروايات في هذه المعاني يصعب إحصاؤها كثرة وتواتراً ومعروفية وثبوتاً، مما يؤسس لأن تكون قضية الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ضرورة إسلامية إنكارها يلزم منه تكذيب رسول الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو في حد الكفر، أعاذنا الله تعالى.
هنا نلفت لضرورة التركيز في أمرين:
الأول: تأكيد النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في التعبير عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بأنه «من عترتي» أو «من أهل بيتي» أو «منا أهل البيت» أو «من ولد فاطمة»، والربط بينه وبين حديث الثقلين وغيره من الأحاديث التي تحصر الهداية في التمسك واتِّباع القرآن المجيد والعترة الطاهرة (عليهم السلام) يجعل الطالب للحق يقطع أن إمامة آل محمد على هذه الأُمة عقيدة لا ينكرها إلّا معاند للحق والحقيقة، بل من الذين يختارون الهلاك عن بينة.
خصوصاً إذا التفتنا إلى أن من دلالات حديث الثقلين أنه يثبت ضرورة استمرار العترة الطاهرة مع القرآن الكريم، لأن هذا هو مقتضى المعية في الحديث، الأمر الذي يثبت ضرورة وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بل ويثبت غيبته.
الثاني: إن الناظر في أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الواردة في كتب السنة على كثرتها وشمولها على تفاصيل كثيرة من أحواله وفضائله وظروف وجوده (عجَّل الله فرجه) لا يجد حديثاً يصرح بولادته في آخر الزمان، بل كان التعبير في الأحاديث (يخرج، يصلحه الله، يملك) وهذا يعضد عقيدة الشيعة التي سيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى أنه ولد وهو موجود وصاحب الزمان وإمام القوم، فعدم تصريحهم بذلك على أقل تقدير هو يعني وقوف أدلتهم على الحياد من جهة ولادته قبل ذلك، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن هذا التوجه مقصود في دفع الحق عن أهله كما له أشباه ونظائر في تحريف الروايات وتغير معانيها، بل وضع عدة منها خدمة للمذاهب المخالفة لمذهب الحق.
في وجوده وحياته (عجَّل الله فرجه):
قد عرفت حتمية ظهور الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في روايات أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، وعند العامة، بل إن مجيء المخلص والمنقذ عقيدة يهودية ومسيحية أسس لها العهدان القديم والجديد في التوراة والإنجيل، وأكثر من ذلك فهي عقيدة حتى عند أتباع الأديان غير السماوية، مما يكشف عن ارتكازها في الوجدان البشري.
نعم هناك فرق جوهري بين العقيدة الشيعية والأخرى السنية وبقية الأديان والملل، فأتباع بقية المذاهب والفِرَق يرون أن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) سيولد في آخر الزمان، بيد أن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) يعتقدون بولادته وحياته الطويلة حتى ظهوره (عجَّل الله فرجه)، وإليك بعض أدلة ذلك:
1 - قوله تعالى: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ (الرعد: 7) الدال على وجوب وجود هادٍ في كل زمن ولجميع الأجيال، ويلزم منه ضرورة وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
لا يقال: نعم نسلم بوجود الهادي، لكنه ليس الإمام المعصوم، فقد يكون غير المعصوم من الهداة.
فإنه يقال: هذا اعتراض لا يمكن أن يصدر من أهل العلم والتدبر في آيات القرآن العزيز، فالسياق يمنع من إرادة هذا المعنى، فهو تعالى جاء بعبارة ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ بعد قوله تعالى: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ﴾، وهذا يدل على لابدية أن يكون الهادي هو الأقرب في مستواه المعرفي والأخلاقي من النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جميع الناس وليس ذلك إلّا المعصوم من آل محمد (عليهم السلام).
لذا جاء في تفسير الهادي في روايات المسلمين عن نبيهم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ومن ذلك قول النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أنا المنذر، وعلي الهادي، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي»(9).
بل يمكن القول: إن الآية لا يمكن أن تقصد غير المعصوم لأنه بنفسه يحتاج إلى هادٍ، لأن الفرض أنه غير معصوم، وبالتالي قد يقع في الخطأ فيحتاج إلى من يهديه، فإن كان هو المعصوم فبها، وإلّا تسلسل وهو باطل.
2 - حديث الثقلين العطر الذكر والمتواتر لدى الفريقين، الدال على عدم الافتراق المعنوي والزماني بين العترة الطاهرة من أهل البيت (عليهم السلام)، حيث قال من ينطق بالوحي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»، فمادام أن هناك قرآناً فهناك من العترة (عليهم السلام)، وإلّا لزم إمّا تكذيب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو عدم تحقق مفاد الحديث وانتفاء المعية، وكلاهما باطل.
3 - حديث النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من مات وليس له إمام...»، والمروي عند الفريقين، ففي رواية الكافي الشريف عن ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من مات وليس له إمام»، فميتته ميتة جاهلية؟ قال: قلت: ميتة كفر؟ قال (أي الإمام الصادق (عليه السلام)): «ميتة ضلال»، قلت: فمن مات اليوم وليس له إمام، فميتته ميتة جاهلية؟ فقال: «نعم»(10).
ورواه ابن حنبل قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية»(11).
وهذا الحديث واضح الدلالة على وجود إمام في كل زمان ولكل جيل يجب على الناس معرفته والتولي له مع لوازم المعرفة والتولي من طاعة واقتداء، وإلّا مات ميتة ضلال، والعياذ بالله تعالى.
لا يقال: إنَّ الإمام هو الحاكم من الملوك والرؤساء.
فيقال: هذا مما يضحك الثكلى، فليس هناك من أهل العلم في الإسلام من يقول إن من يموت وليس له رئيس أو مَلِك، مات ميتة جاهلية، أو بوجوب معرفة الملوك والرؤساء، لأن هذا الحديث جاء ببعض الألسنة: «من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية...»(12).
4 - أحاديث عدم خلو الأرض من حجة، المتواترة معنى، وهي كثيرة، منها ما عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: «لا»، قلت: يكون إمامان؟ قال: «لا، إلّا وأحدهما صامت»(13).
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم (عليه السلام) إلّا وفيها إمام يهتدى به إلى الله، وهو حجته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده»(14).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «نحن حجج الله في خلقه، وخلفاؤه في عباده وأمناؤه على سره، ونحن كلمة التقوى، والعروة الوثقى، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريته، بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا، وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة، ولا تخلو الأرض من قائم منا ظاهر أو خاف، ولو خلت يوماً بغير حجة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله»(15).
وعن سليمان الجعفري، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)، قلت: تخلو الأرض من حجة؟ قال: «لو خلت الأرض طرفةَ عينٍ من حجة، لساخت بأهلها»(16).
فهذه الروايات متفقة في المعنى، وفي أنه لابد من الإمام على الأرض، لأنه يمثل الأمان عليها لأهلها، ولولاه لساخت الأرض وهلك الناس. وحيث إنها لم تسخ، ولم يهلك الناس، إذن هذا يعني أن الأمان - وهو الإمام (عليه السلام) - موجود، ولا يضر بعد هذا عدم رؤيته أو عدم معرفته، لأن الروايات جعلت الأمان ورتبته على الوجود الواقعي للإمام، لا على ظهوره أو حتّى على معرفته.
يضاف إلى ذلك أن هناك روايات كثيرة، بضمها إلى روايات ضرورة الحجة على الأرض، تنتج أنه هو المهدي (عجَّل الله فرجه) وهي الروايات التي تحدد من هو المهدي.
وإليك بعض الروايات التي تحدد أن القائم المهدي (عجَّل الله فرجه) هو التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) لأنها تراث هائل وعدد كثير تورث للمطَّلع عليها أعلى درجات القطع واليقين، وأعمق مراتب الإيمان، وقد أحصى بعض المحققين (2305 رواية)(17) جاء فيها نسب إمام الزمان (عجَّل الله فرجه) بألسنة مختلفة وتفاصيل متعددة، أمّا نحن فنذكر ما فيه الكفاية إن شاء تعالى مناسبة لمنهج هذا البحث:
1 - عن سلمان المحمدي (رضي الله عنه) قال: دخلت على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإذا الحسين بن علي على فخذه، وهو يقبِّل عينيه ويلثم فاه، ويقول: «أنت سيد ابن سيد، أنت إمام ابن إمام أبو أئمة، أنت حجة الله ابن حجته وأبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم»(18).
2 - عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم»(19).
3 - عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «من أقرَّ بجميع الأئمة وجحد المهدي، كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبوته»، فقيل له: يا بن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟ قال: «الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته»(20).
4 - عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: «لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، إن أكرمكم عند الله أعلمكم بالتقية»، فقيل له: يا بن رسول الله، إلى متى؟ قال: «إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا»، فقيل له: يا بن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: «الرابع من ولدي، ابن سيدة الإماء، يُطهر الله به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم»(21).
5 - عن أحمد بن إسحاق الأشعري، قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (العسكري) (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: «يا أحمد بن أسحاق، إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض»، قال: فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام والخلف من بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: «يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى حججه، ما عرضتُ عليك ابني هذا، إنه سميُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيُّه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يا أحمد بن إسحاق، مَثَله في هذه الأُمة مَثَل الخضر (عليه السلام)، ومَثَله مَثَل ذي القرنين، واللهِ ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلّا من ثبَّته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته، ووفَّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه»، فقال: أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي؟ فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربيٍ فصيح، فقال: «أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق»، فقال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلما كان من الغد عدتُ إليه فقلت له: يا بن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت به عليَّ، فما السُنَّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: «طول الغيبة يا أحمد»، قلت: وإن غيبته لتطول؟ قال: «إي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقى إلّا من أخذ الله (عزَّ وجلَّ) عهده بولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه، يا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من أمر الله، وسرٌّ من سر الله، وغيبٌ من غيب الله، فخذ ما أتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في عليين»(22).
غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
شاء المولى (عزَّ وجلَّ) أن يمتحن خلقه بغيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ولحكمة معينة، ولا يضر عدم علمنا بها بعد علمنا بأنه تعالى حكيم وأن أفعاله معللة بالغايات، ولذلك فإنه هو الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، والغيبة حقيقة عقائدية على أساس من الذكر والتمهيد والتعريف بشكل وافر ومتواتر في أحاديث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والعترة الطاهرة (عليهم السلام) من قبل أن يولد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بزمن طويل، مما يجعل تلك المسألة في غاية الوضوح عند من صدَّق نبوة نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسلَّم بها حق التسليم وبكل ما جاء به، وحدَّثت عنه، وإليك غيض من فيض أحاديث المقام:
1 - عن أبي بصير عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً تكون له غيبة وحيرة، حتى يضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يُقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(23).
2 - وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(24).
3 - عن الإمام الجواد (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «للغائب منا غيبة أَمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، فهو معي في درجتي يوم القيامة»(25).
4 - عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله (الصادق) (عليه السلام) يقول: «إن للغلام غيبة قبل أن يقوم»، قال: قلت: ولِمَ؟ قال: «يخاف» - وأومأ بيده إلى بطنه -، ثم قال: «يا زرارة هو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خَلَف، ومنهم من يقول: حمل (أي مات أبوه وهو حمل)، ومنهم من يقول: إنه وُلِد قبل موت أبيه سنتين، وهو المنتظر، غير أنَّ الله يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة»، قال: قلت: جعلت فداك، إن أدركتُ ذلك الزمان، أي شيء أعمل؟ قال: «يا زرارة، إن أدركتَ هذا الزمان، فادع بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفي رسولك فإنك إن لم تعرِّفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرِّفني حجتك فإنك إن تعرِّفني حجتك ضللت عني ديني...»(26).
5 - وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «للقائم غيبتان، يشهد في أحدهما المواسم، يرى الناس ولا يرونه»(27).
6 - عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها»(28).
فلسفة الغيبة:
قد يسأل سائل: إذا كان وجود الإمام الحجة المعصوم بين ظهراني الناس من اللطف الإلهي الذي يجب أن يكون، لأن وظيفة الإمام هداية الناس، وتجسيد الحجة فيهم وحفظ الدين، فلماذا إذن غاب الإمام المهدي الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) وما سبب غيبته؟
وقد أجاب أصحاب الدار وأهل البيت (عليهم السلام) بأجوبة متعددة وافية وكافية إذا لاحظ الطالب للحقيقة أنهم (عليهم السلام) أجابوا بأجوبة مختلفة لأنهم يحدثون الناس على قدر عقولهم ومبلغ فهمهم.
والأحاديث أكثر من أن تحصى في بيان تلك الأجوبة، منها:
الجواب الأول: إن قضية غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) سرٌ إلهي ينطوي على حكمة ربانية وكما تقدم، فإنه مادمنا نؤمن بحكمة الله تعالى فلا يضر بعد ذلك عدم علمنا التفصيلي بوجه الحكمة، خصوصاً إذا ضممنا إلى ذلك أنه لا ضرورة تدعو الحكيم إلى أن يكشف كل الحكم والعلل لأفعاله، وهذا ما نجده في رواية عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: «إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب فيها كل مبطل»، فقلت: ولِمَ جُعلت فداك؟ قال: «لأمر لم يُأذن لنا في كشفه لكم»، قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: «وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدَّم من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما آتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلى وقت افتراقهما، يا بن الفضل، إن هذا الأمر أمرٌ من أمر الله تعالى، وسرٌ من سر الله، وغيبٌ من غيب الله، ومتى علمنا أنه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف لنا»(29).
الجواب الثاني: إنها امتحان للخلق، وهي سنة إلهية في هذه الحياة، بل يمكن القول إن امتحان الخلق واختبارهم مما لابد منه ماداموا في عالم الدنيا الأمر الذي يشير إليه قوله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا...﴾ (العنكبوت: 1-2) ومن هنا، فإن الغيبة واحدة من آليات وأساليب اختبار المؤمنين من جهة اختبارهم على الصبر على فقدان إمامهم وهل أنهم سيثبتون على مبادئهم ودينهم أو لا.
فعن السيد الجليل علي بن جعفر (رضوان الله عليه) عن أخيه موسى الكاظم (عليه السلام)، قال: «إذا فقد الخامس من ولد السابع، فالله الله في أديانكم، لا يزيلكم عنها أحد، يا بنيَّ إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله (عزَّ وجلَّ) امتحن بها خلقه...»(30).
الجواب الثالث: إنما غاب لسوء أعمال العباد وعدم استحقاقهم لجواره وعدم أهليَّتهم لرؤيته (عجَّل الله فرجه)، وهذا ما نجده في غير رواية، فعن محمد بن الفرج، قال: كتب إليَّ أبو جعفر (الجواد) (عليه السلام): «إذا غضب الله تبارك وتعالى على خلقه نحّانا عن جوارهم»(31).
وعن مروان الأنباري، قال: خرج من أبي جعفر الباقر (عليه السلام): «إن الله إذا كره لنا جوار قومٍ، نزعنا من بين أظهرهم»(32).
وهذه الروايات لا يقصد منها رفع الحجة عن الأرض تماماً، وإلّا لساخت بأهلها كما نصَّت الروايات التي تقدم بعضها، وإنما هي تتلاءم مع تغييب الحجة عن أن يباشره الناس، ولذا عبَّرت الروايات بـ«نزعنا» و«نحّانا عن جوارهم».
الجواب الرابع: ما ورد عنه (عجَّل الله فرجه) وعن غيره من الأئمة (عليهم السلام) من أن الغيبة كانت لأجل أن لا يضطر (عجَّل الله فرجه) لمبايعة ظالم كما حصل مع آبائه (عليهم السلام)، فعن إسحاق بن يعقوب أن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قال: «وأمّا علة ما وقع من الغيبة فإن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101]؛ إنه لم يكن أحد من آبائي إلّا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي»(33).
وأيضاً جاء هذا المعنى عن آبائه (عليهم السلام) في أكثر من حديث، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على هذا الخلق، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج»(34).
الجواب الخامس: غاب (عجَّل الله فرجه) خوفاً من القتل، وهذا يعني أنه غير مأذون له بالظهور من المولى (عزَّ وجلَّ) ادِّخاراً له لدولة العدل الإلهي التي ستتحقق على يديه (عجَّل الله فرجه)، فهو تعالى يجري الأمور على أسبابها، فإذا توفرت الظروف الموضوعية لنجاح نهضته المجيدة من جهة شغف وتوق البشر لظهوره، واستعدادهم لنصرته، والنضال من أجل تحقيق أهدافه، ظهر بإذن المولى (عزَّ وجلَّ)، فعن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن للقائم غيبة قبل أن يقوم، إنه يخاف» - وأومأ بيده إلى بطنه - يعني القتل(35)، والتفسير بالقتل من زرارة.
فائدة الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه):
فإن قيل: ما فائدة الإمام الغائب المستور عن الناس، لأن وظائف الإمام الحجة إنما تترتب على ظهوره؟
وهنا جواب عتيد غاية في المعرفة يكشف عن عصمة المجيب وارتباطه برب الأكوان (عزَّ وجلَّ) لعظيم دقة التشبيه الذي في الجواب، وحمله لمعانٍ متعددة وجليلة، بل يمكن القول: إنه ليس هناك جواب حق مقنع لمن أراد الحق وسعى للحقيقة إلّا هذا، وهو ما أفادته أحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام)، نذكر منها:
1 - عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري، يقول: لمّا أنزل الله (عزَّ وجلَّ) على نبيه محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، قلت: يا رسول الله، عرَفنا الله ورسوله، فمَن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميّي وكنيي، حجة الله في أرضه وبقيته في عباده، ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله (تعالى ذكره) على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان»، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إي والذي بعثني بالنبوة، إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب، يا جابر، هذا من مكنون سر الله ومخزون علمه، فاكتمه إلّا عن أهله»(36).
2 - عن سليمان بن مهران الأعمش، قال: فقلت للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: «كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب»(37).
3 - خرج من الناحية المقدسة (الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)) إلى إسحاق بن عمار على يد محمد بن عثمان: «... وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبها عن الأبصار السحاب، وإني أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء»(38).
ويمكن توضيح ذلك أكثر بالقول: إن الفوائد المترتبة على وجود الإمام المعصوم الحجة كثيرة، من أهمها:
1 - الفوائد المترتبة على محض وجوده الواقعي المبارك، بمعنى أوضح: مجرد وجوده وهو حيٌ على الأرض من قبيل الأمان لأهلها من السيخ والموج، ووساطته في الفيوضات الإلهية على أهل الأرض، فهذا حاصل لأنه حي يرزق (عجَّل الله فرجه)، وبالمناسبة أن قضية السُنَّة الإلهية في عدم خلو الأرض من حجة ليست عقيدة شيعية فقط، بل هي عند طبقات من علماء أهل السنة وأتباعهم، فقد رووا وصححوا عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان»(39).
وليس هذا الذي عندهم إلّا الذي عند الشيعة من عدم خلو الأرض من حجة وإمام، وإنما الاختلاف في المصداق تبعاً لعقائد الفريقين.
وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري في شرح صحيح البخاري: (وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأُمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال إن الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة، والله أعلم)(40).
2 - الفوائد المترتبة على وجوده من حيث هو هادي للأُمة، قال تعالى: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ (الرعد: 7)، بمعنى آخر: ما يترتب على وجوده المعرفي والعلمي، وهذا يمكن حصوله بغير المباشرة منه (عجَّل الله فرجه)، كتسديد العلماء، وليس هناك مانع عقلي أو شرعي منه وقد وقع في قضايا شرعية كثيرة ليس هذا محل ذكرها.
3 - الفوائد المترتبة على وجوده من حيث هو قائد وسائس للعباد والبلاد، وهذا كما هو واضح متوقف على إرادة الناس، فلو اهتدوا ومكَّنوا الإمام من قيادتهم وإدارة شؤونهم لتصدى (عجَّل الله فرجه) لذلك، وإن ضلوا ومالوا عن الحق اعتزل (عجَّل الله فرجه)، وهذا حصل في شطرين من حياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فمدة من حياته اعتزل ومدة تولى القيادة، وكذلك حياة بقية الأئمة (عليهم السلام)، فالإمام إمام قام أو قعد، كما جاء عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال عن الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام): «ابناي هذان، إمامان قاما أو قعدا»(41).
تتمة:
قد يقال: كيف يطول عمر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) كل هذه القرون؟
وجوابه من وجوه:
1 - هذا مجرد استبعاد وهو في مقابل قدرة الله تعالى على كل شيء، فالقائلون بولادته وحياته إنما يعتقدون جزماً أنه بأمر الله تعالى وأن طول عمره (عجَّل الله فرجه) وقع تحت قدرته المطلقة (عز شأنه).
2 - إن طول عمره (عجَّل الله فرجه) ليس بِدْعاً من الأمر ولا بسابقة لم يحدث مثلها من قبل، فقد أطال الله تعالى أعمار بعضٍ من أوليائه وأعدائه، أليس الله تعالى أطال عمر نوح (عليه السلام)، وأبقى الخضر (عليه السلام) حياً، ورفع عيسى (عليه السلام) إليه، وأنظرَ إبليس إلى يوم يبعثون، وأهل السنة يعتقدون بحياة الدجال من زمن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى حين قتله في زمن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)؟ فطول العمر واقع لغير الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فلِمَ لا يكون له بإذنه تعالى بعد ثبوت ذلك بالدليل.
3 - ليس هناك مانع عقلي ولا شرعي يمنع من طول عمره الشريف (عجَّل الله فرجه)، فلا يلزم منه اجتماع النقيضين ولا يرجع إليه، وليس هناك آية قرآنية أو حديث نبوي شريف يحدد عمر الإنسان عامةً بمدة معينة، بل الآيات والأحاديث على خلاف التحديد لو أراد الله تعالى.
4 - بعد أن ثبتت ولادته وحياته (عجَّل الله فرجه) بالنصوص الكثيرة الصحيحة والمتواترة، وعدم الدليل على موته، بل وعدم ادِّعاء أحد يُعتدّ به ذلك، فاستبعاد طول عمره الشريف اجتهاد في مقابل النص.

الهوامش:

(1) مجمع البيان الطبرسي: ج9، ص464.
(2) معاني الأخبار: ص28.
(3) جامع الأصول - أبو داوود: ص49، ح7810.
(4) ج8، ص406.
(5) ج3، ص36.
(6) صحيح ابن ماجة: ج6، ص30.
(7) صحيح الترمذي: ج2، ص46.
(8) ص: 111.
(9) كنز العمال - المتقي الهندي: ج6، ص157.
(10) الكافي - الكليني: ج1، ص376.
(11) المسند أحمد بن حنبل: ج4، ص96؛ وانظر أيضاً صحيح ابن حيان والمعجم الكبير للطبراني ومسند أبي يعلى.
(12) الكافي - الكليني: ج1، ص377.
(13) الكافي - الكليني: ج1، ص178.
(14) نفس المصدر: ص179.
(15) كمال الدين وتمام النعمة - الصدوق: ص202 - 203.
(16) بصائر الدرجات - الصفار: ص508.
(17) منتخب الأثر - الشيخ لطف الله الصافي.
(18) الإمامة والتبصرة - ابن بابويه: ص110.
(19) الكافي - الكليني: ج1، ص533.
(20) كمال الدين - الصدوق: ص333.
(21) كمال الدين - الصدوق: ص372.
(22) كمال الدين - الصدوق: ص384-385.
(23) كمال الدين وتمام النعمة - الصدوق: ج1، ص286.
(24) إثبات الهداة، الحر العاملي: ج6، ص390.
(25) كمال الدين وتمام النعمة - الصدوق: ج1، ص303.
(26) الكافي - الكليني: ج1، ص337.
(27) نفس المصدر: ج1، ص339.
(28) الكافي - الكليني: ج1، ص338.
(29) علل الشرائع - الصدوق: ج1، ص245-246.
(30) الكافي - الكليني: ج1، ص336.
(31) نفس المصدر: ج1، ص343.
(32) علل الشرائع - الصدوق: ج1، ص244.
(33) كمال الدين وتمام النعمة: ص436.
(34) نفس المصدر: ص436.
(35) الكافي - الكليني: ج1، ص340.
(36) كمال الدين - الصدوق: ج1، ص253.
(37) كمال الدين - الصدوق: ج1، ص207.
(38) نفس المصدر وصدر الرواية تقدم في مطلب فلسفة الغيبة المتقدم؛ وأيضاً هو مروي في الغيبة للطوسي: ص177.
(39) سلسلة الأحاديث الصحيحة - الألباني: ج1، ص718، ح375.
(40) فتح الباري: ج8، ص92-93.
(41) الشيخ المفيد في النكت: ص48.

البحوث والمقالات : ٢٠٢٢/٠٨/٢٨ : ٦.٥ K : ١
: السيد عبد النافع الموسوي
التعليقات:
: القناع الاسود
: العراق
: نبارك لكم ببالولاية وتتويج الامام علي ع بامامة المسلمين وشكرك جهودكم قليل لحظريتكم وللموقع المبارك
: ٢٠١٧/٠٩/١٠