(٦١٠) ... ما هو المقصود من (النُوَمة)؟
روي عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله: خبر تدريه خير من عشرة ترويه، إن لكل حق حقيقة، ولكل صواب نوراً، ثم قال: إنا والله لا نعدّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتى يُلحَن له فيعرف اللحن، إن أمير المؤمنين قال على منبر الكوفة: وإن من ورائكم فتناً مظلمة عمياء منكسفة لا ينجو منها إلّا النومة؟ قيل: يا أمير المؤمنين وما النُوَمة! قال: الذي يعرف الناس ولا يعرفونه. واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة لله، ولكن الله سيُعمي خلقه منها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة لله لساخت بأهلها، ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه، كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون. ثم تلا ﴿يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾. [يس: 30]
فما هو المقصود من (النُوَمة) في هذه الرواية؟ نرجو التوضيح.
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: الظاهر من الرواية أن المقصود منه هو الشخص المؤمن الذي لا يحب الظهور ولا الشهرة ولا المناصب الدنيوية، خصوصاً في زمن الفتن، على غرار ما ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام): كن في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيركب ولا ضرع فيُحلب.
وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن، ولذا فقد وصفت الروايات الشريفة علماء الطائفة بأوصاف قريبة من هذا المعنى، ففي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إذا رأيتم العالم محباً للدنيا فاتهموه على دينكم فإن كل محب يحوط ما يحب. [علل الشرائع 394/12]
وعن الإمام العسكري (عليه السلام): فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلّا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم... . [الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ص263، ح2، والتفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام)، ص300]
وهذا ما يشير إليه ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله أخفى أربعة في أربعة... وأخفى وليه في عباده، فلا تستصغرنّ عبداً من عبيد الله فربما يكون وليه وأنت لا تعلم. [وسائل الشيعة: ج1، ص116، ب28، ح291]
وثانياً: المقصود ليس النجاة في الآخرة بل في الدنيا، وليس فيها دلالة على تأييد النومة بل شرح حال الواقع.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)





