(١١٣٥) ما هي الصفات والعوامل المشتركة بين أصحاب الحسين (عليه السلام) وأنصار المهدي (عجّل الله فرجه)؟
ما هي الصفات والعوامل المشتركة بين أصحاب وأنصار الإمام الحسين (عليه السلام) من جهة، وأصحاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من جهة أخرى، فلعل الإنسان إذا فاته أن يكون من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) فلا يفوته أن يكون من أنصار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
بسم الله الرحمن الرحيم
الصفات التي تجمع بين أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) وأنصار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كثيرة تبتدئ من وضوح العقيدة وعمق الإيمان ولا تنتهي عند صلابة الموقف وقوة الإرادة، وجهات الاشتراك العديدة بين المعسكرين هو تعبير آخر عن الامتداد العضوي والروحي بين الفريقين، ويتجلى لنا هذا المعنى بوضوح حينما نعلم أن واحدة من أهم الأدوار المهدوية عند عصر الظهور هو المطالبة بدم الإمام الحسين (عليه السلام) والأخذ بثأره من الظالمين والمجرمين، وحينها يزول الاستغراب والتعجب إذا علمنا أن شعار (يا لثارات الحسين) هو الشعار الذي يحمله أنصار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ليكون مَعلماً بارزاً من معالم النهضة المهدوية، وليحكي لنا بعد ذلك حقيقة ذلك الامتداد ويبرهن لنا بعمق أن القيام المهدوي إنما هو فصل من فصول القيام الحسيني وتكملة لذات الهدف والغاية، بل حتى على مستوى المسيرة والحركة، فنقطة الانطلاق في النهضتين كانت مكة المكرمة، والمنتهى والمستقر هي كربلاء المقدسة ليعلو شأنها ويسمو مقامها وفاءً وتخليداً لذكرى سيد الشهداء، ولعظمة تلك التضحيات والدماء التي أُريقت من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام).
فأهداف الدولة المهدوية وغاياتها هي ذات أهداف النهضة الحسينية وغاياتها لا تختلف في مضامينها إلّا في تعدد الأسماء والأفراد، فلا حدود فاصلة تعزل إحداهما عن الأخرى، بل هذا المعنى يتجلى في عصر الظهور حتى على مستوى عاصمة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وعاصمة الإمام الحسين (عليه السلام) حتى تصبح الكوفة وكربلاء مدينة واحدة لا فرق بينهما ولا افتراق، ولذا روى المفضل عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: وليصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلاً وليجاورن قصورها كربلاء، وليصيرن الله كربلاء معقلاً ومقاماً تختلف فيه الملائكة والمؤمنون، وليكونن لها شأن من الشأن. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج53، ص12]
ولأجل هذا القرب الكبير بين النهضتين فمن الطبيعي أن يكون القائمون بهما مشتركين في أكثر صفاتهم وسماتهم، وهو ما نلمسه فيهم من عدة جهات ونواحي، وأول وجوه الشبه بينهما هو قوة اليقين والإقدام ففي الوقت الذي يصف فيه من حضر واقعة الطف شجاعة أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) وبسالتهم بقولهم: (ثارت علينا عصابة أيديهم على مقابض سيوفهم كالأسود الضارية، تحطّم الفرسان يميناً وشمال وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية، والاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيره. [شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج3، ص263]
نجد ذات المعنى ظاهراً واضحاً في أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأنصاره، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في سياق حديثه عنهم: له كنز بالطالقان ما هو بذهب، ولا فضة، وراية لم تنشر منذ طويت، ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص308]
وأمّا الجهة الثانية: فهي الفداء والتضحية منهم لإمام زمانهم حتى لا يرون للدنيا بما فيها قيمة وقدراً وراء تحصيل الرضا منهم والوفاء ببيعتهم، ففي كربلاء عندما عرض عليهم الإمام الحسين (عليه السلام) التخلّي عن بيعته وتركه وحده قال له أنصاره وأصحابه: لِمَ نفعل؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا ذلك أبداً. [الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص91]
وكذلك هو مضمون ما رواه أبو مخنف عنهم (رضوان الله تعالى عليهم) بقولهم للإمام الحسين (عليه السلام): والله لا نفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا، فإذا نحن قتلنا كنا وَفَيْنا وقضينا ما علينا. [مقتل الحسين (عليه السلام) لأبو مخنف الأزدي: ص110]
وهو ذات المعنى الذي جاء في حق أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في رواية الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق (عليه السلام): يتمسحون بسرج الإمام (عليه السلام) يطلبون بذلك البركة ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد فيهم. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص308]
وأمّا الجهة الثالثة: فهي صفتهم في العبادة والتعبد، فقد وصف أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) المؤرخون بقولهم في ذلك: ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج44، ص394]، وهو أيضاً ما يتفق مع ذات الوصف المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حق أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص308]
وأمّا الجهة الرابعة: فهي الوعي ونفوذ البصيرة التي تميز فيهما كلا الفريقين منهما، فقد أطلع الإمام الحسين (عليه السلام) على مصيره ومصيرهم، إذ قال: إني غداً لمقتول وأنتم جميعاً ستقتلون. فما كان ردهم إلّا أن قالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرفنا بالقتل معك. [الهداية الكبرى للخصيبي: ص204]، بل شهد بذلك لهم حتى أعداءهم، فقد نقل المؤرخون عن عمرو بن الحجاج قوله لأصحابه: أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين. [مقتل الحسين (عليه السلام) لأبو مخنف الأزدي: ص135]
وهو ما نلمسه أيضاً في أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): هم أطوع له من الأَمَة لسيدها، كالمصابيح، كأن قلوبهم القناديل. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص308]
وأمّا الجهة الخامسة: فهي حبهم وطلبهم للشهادة في سبيل الله تعالى، فقد جاء في وصف أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام): تلقي نفسها في الموت ولا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال ولا يحول حائل بينها وبين المنيّة. [شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج3، ص263] وكان لسان حالهم جميعاً ما قاله زهير بن القين: والله لوددت أنّي قُتلت، ثمّ نُشرت، ثمّ قُتلت، حتّى أُقتل كذا ألف قتلة، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك. [مقتل الحسين (عليه السلام) لأبو مخنف الأزدي: ص110]
وهكذا نجد هذا الوصف منعوتاً به أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كما في خبر الإمام الصادق (عليه السلام): يدعون بالشهادة ويتمنّون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم: يا لثارات الحسين. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص308]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: عبد الحسين الكاظمي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)