(١٣١٣) هل أهل الذكر فقط أهل البيت (عليهم السلام) أم كل أهل العلم؟
ورد في إحدى منشورات مركزكم الكريم النص التالي:
لا يصح أن يرد على البال أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيعتمد أهل الجهل ويترك أهل العلم، في حين أن القرآن الكريم والروايات الشريفة فضلاً عن العقل يأمر بالتمسك بأهل العلم والركون إليهم، وتجنب أهل الجهل وترك الركون إليهم، قال تعالى: ﴿فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾.
حسب علمنا أن أهل الذكر وأهل العلم المقصودين في الآيات القرآنية أعلاه هم أهل البيت (عليهم السلام)، بينما المفهوم من منشوركم الكريم كل أهل العلم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لا خلاف في أن الروايات والأحاديث الشريفة قد دلّت على أن المقصود بأهل الذكر هم الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، فقد روى الكليني بسند صحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن من عندنا يزعمون أن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ أنهم اليهود والنصارى، قال: إذن يدعونكم إلى دينهم. ثم قال بيده إلى صدره: نحن أهل الذكر، ونحن المسؤولون. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص211]
وهنا أمران ينبغي الالتفات إليهما حتى يتضح الجواب:
الأول: لا خلاف أن مصطلح أهل الذكر في القرآن الكريم بتمام الحقيقة هم أهل البيت (عليهم السلام) ولا نقاش في ذلك بحسب ما دلت عليه الأخبار.
الثاني: الأمر بالرجوع إلى أهل البيت (عليهم السلام) لم يكن حكماً تعبدياً محضاً، وإنما هو إرشاد لحكم العقل الذي يدرك ضرورة رجوع الجاهل إلى العالم، وعليه يكون هذا الأمر من تطبيقات ومجاري هذا الأصل العام، والذي يصح توسعة تطبيقاته ليشمل العلماء والفقهاء لا سيما أن هؤلاء العلماء هم ورثة الأئمة (عليهم السلام) الذين ورثوا عنهم علمهم وحديثهم، ولهذا اتَّجه علماؤنا في الفقه والأصول عند بحثهم موضوع الاجتهاد والتقليد إلى ضرورة ووجوب اتِّباع العلماء لمن ليست له القدرة على استنباط الأحكام الشرعية، ويستدلون بهذه الآية على صحة منحاهم، فقد ذكر السيد الخوئي (رحمه الله) في بحث التقليد هذا الإشكال وردَّ عليه بقوله:
وقد يتوهم: أن تفسير أهل الذكر في الأخبار بأهل الكتاب أو الأئمة (عليهم السلام) ينافي الاستدلال بها على جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم والفقيه في الأحكام.
ويندفع: بأن ورود آية في مورد لا يقتضي اختصاصها بذلك المورد، والآية المباركة قد تضمنت كبرى كلية قد تنطبق على أهل الكتاب، وقد تنطبق على الأئمة (عليهم السلام)، وقد تنطبق على العالم والفقيه، وذلك حسبما تقتضيه المناسبات على اختلافها باختلاف المقامات، فإن المورد إذا كان من الاعتقاديات كالنبوة وما يرجع إلى صفات النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فالمناسب السؤال عن علماء أهل الكتاب لعلمهم بآثارها وعلاماتها، كما أن المورد لو كان من الأحكام الفرعية فالمناسب الرجوع فيه إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو الأئمة (عليهم السلام)، وعلى تقدير عدم التمكن من الوصول إليهم فالمناسب الرجوع إلى الفقهاء، وعلى الجملة تضمنت الآية المباركة كبرى رجوع الجاهل إلى العالم المنطبقة على كل من أهل الكتاب وغيرهم، فالاستدلال بها من تلك الناحية أيضاً مما لا خدشة فيه... [الاجتهاد والتقليد للسيد الخوئي: ص89]
ويزيد هذا المعنى وضوحاً ما ورد من النهي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تخصيص كليات القرآن الكريم في مصداق واحد وإن كان مورد الآية الكريمة نازلاً فيهم (عليهم السلام)، كما جاء في رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ﴿الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾؟ قال: نزلت في رحم آل محمد (عليه وآله السلام) وقد تكون في قرابتك. ثم قال: فلا تكونن ممن يقول للشيء إنه في شيء واحد. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص156]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: زينب المهدي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)