(١٠٧٤) ... المشكلة أن الشيعة لا يصلهم أوامر إمامهم...
الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو المعلم الأول والمبلغ الرسمي للأحكام فإنه لم يحصل ذلك أبداً وأما تنصيبه (عجّل الله فرجه) فقهاء فهم دائماً مختلفون في آرائهم وهو لا يصححها لهم؟
الأمة ليست مقصرة في شيء تجاه إمامها بل هو لا يُبلّغ الناس في شيء من العلم والمعرفة حتى باتوا حيارى، فالمشكلة أن الشيعة لا يصلهم أوامر إمامهم مع أنهم مستعدون منذ مئات السنين.
بسم الله الرحمن الرحيم
القول بعدم التقصير في حق إمام العصر (عجّل الله فرجه) هو أوّل التقصير بل عينه، وإذا كان تأدية حق الإمام (عجّل الله فرجه) والقيام به يعجز عنه خيرة الأولياء والصالحين فكيف بحال جميع الأمة وأفرادها العاديين وإذا كان المؤمن يعجز عن تأدية حق والديه فكيف يؤديه لمن لا يقاس بهم ويقارن، روي أن رجلاً كان حاملاً أمه يطوف بها حول الكعبة، فسأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هل أدى بذلك حقها فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لا، ولا بزفرة واحدة.[ شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) للسيد حسن القبانچي: ص547] فكيف نتوهم بعد ذلك إننا لسنا مقصرين في حق من كان مظهراً وتجلياً لحق الله تعالى في أرضه وسمائه.
بل أن استشعار التقصير ووجدانه في النفس سمة المؤمن وعلامته ولا يصاب المرء بآفة تهلك دينه أشدّ فيما لو خلى عن هذا الشعور ولا أدل على وخامته ورداءته من قول الإمام الصادق (عليه السلام): الذنب خير للمؤمن من العجب. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص313]، وورد عن جابر قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): يا جابر لا أخرجك الله من النقص ولا التقصير. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص73]، وجاء كذلك عن الحسن بن الجهم قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: إنّ رجلاً في بني إسرائيل عَبد الله أربعين سنة ثمّ قرّب قرباناً فلم يُقبل منه، فقال لنفسه: ما أُتيت إلّا منك وما الذنب إلّا لك. قال: فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: ذمّك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنة. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص73]
وجدنا ذكر هذه الروايات والاستشهاد بها تفرضها ظاهرة عدم النظر في روايات أهل البيت (عليهم السلام) أو الاطلاع عليها حتى صرنا غير ملمين بالمتواتر من أخبارهم وأحاديثهم، وهذا يا أخانا العزيز هي عبارة أخرى عن تقصير آخر ومن شكل آخر، فكيف ننصر الإمام (عجّل الله فرجه) ونمهد له الظهور أو نزعم أنه لم يبلغ شيئاً ونحن نغفل عن الواضح والجلي من علومهم ومعارفهم، فأين هي عنا آلاف الأخبار والروايات، وأين هي عنا توقيعات الإمام (عجّل الله فرجه) وأحاديثه، فهل اطلعنا عليها أو توقفنا عندها أو بذلنا بعض وقتنا في قراءتها ثم لم نجدها أو نحصل عليها مع أنها مبذولة ومتاحة من غير تعب ولا مشقة لننتهي بعد ذلك إلى إنكار أن يكون الإمام (عجّل الله فرجه) المبلغ الرسمي والمعلم الأول.
أن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) إنما هو عبارة عن إتباع اثني عشر إماماً كلهم تجب طاعتهم والامتثال لأوامرهم وغيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لا تعني بأي حال من الأحوال غياب الشريعة والدين، بل ما زالت الشريعة حاضرة ومعلومة والالتزام بها مستطاع وواجب، وإنما نفتقد قيادته وحكومته الظاهرية، ولذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): لأن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم في دولة الباطل فلن يغيب عنهم مبثوث علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص339]، وما دامت علومهم موجودة ووصاياهم مبثوثة من خلال ما وصلنا من العلماء ورواة أحاديثهم (عليهم السلام) لن يبقى عذر في التخلف عنها أو التمرد عليها، كما جاء ذلك في التوقيع الشريف الصادر من الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): فإنَّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يؤدّيه عنّا ثقاتنا. [رجال الكشي لمحمد بن عمر الكشي: ج2، ص816]
والاختلاف بين علماء الشيعة هو الآخر أمر طبيعي والسبب فيه تفاوت أنظار العلماء واختلاف اجتهاداتهم بين من يعتقد أن رأي الإمام على هذا النحو أو على النحو الآخر، وكل واحد منهم إنما غايته أن يصيب الموقف الذي قد أمر به الإمام (عجّل الله فرجه) فضلاً عن كون هذه الاختلافات لا تتجاوز القضايا التفصيلية والفرعية الجزئية، بل هم متفقون على أصول العقيدة وأركان الدين وفروعه، والمؤمن ليس مطلوباً منه أن يأتي بالأحكام الواقعية لا في زمن الغيبة ولا في زمن حضور الإمام (عجّل الله فرجه) بل الواجب عليه أن يأتي بالمطلوب منه شرعاً وهو ما وصل إليه بالدليل والحجة ومن خلال القنوات الشرعية سواء من خلال نفس الأئمة (عليهم السلام) في زمن الحضور أو ممن أوصوا بهم وأوجبوا الرجوع إليهم في فترة الغيبة، وبذلك سيكون المكلف معذوراً عند الله تعالى ولا تبعة عليه في ذلك بعد أن علم منه صدق نيته واهتمامه بإبراء ذمته، وهذا المعنى لم يغفل عنه الأئمة (عليهم السلام) بل أشاروا إليه لعلمهم بأن الغيبة سوف تحمل بين طياتها التيه والضياع والحيرة والارتباك وحاشا أن يتركوا شيعتهم هملاً أو سدى، بل نهجوا لهم المناهج وأوضحوا لهم الطريق الذي لابد أن ينتهجوه حتى يخرجوا عن محنة الغيبة وبلائها والذي هو من أهم مقاصدها وأهدافها، ولذا ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديثه لزرارة، والذي جاء في بعض فقراته: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم، يا زرارة وهو المنتظر وهو الذي يشك الناس في ولادته، غير أن الله تبارك وتعالى يحب أن يمتحن الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص337]
وأما الطريق الذي رسمه لنا أهل البيت (عليهم السلام) فهو ما دلت عليه رواياتهم وعدد من أحاديثهم، فقد روى الصدوق في كمال الدين: ص484 عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم، وما ورد عن الإمام العسكري (عليه السلام) في الوسائل أيضاً ج27، ص131: فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم، وكذلك سأل أحمد بن حاتم واخوه الإمام الهادي (عليه السلام) عمن يأخذا معالم دينهما فأجابهما (عليه السلام): فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا، وكل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى. [وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي: ج27، ص151]
وعلى كل حال ففي ذلك كفاية لمن رام الهداية والخروج من الحيرة والتيه وبذلك فقط يحقق المؤمن الاستعداد والتهيء لنصرة الإمام (عجّل الله فرجه) والتمهيد لظهوره المقدس.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: عبد الله : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)