ارسل سؤالك المهدوي:
السفراء والفقهاء

(١٠٨٨) هل كان الشلمغاني وكيلاً للسفير الثالث؟

هناك نصوص تدل على أن السفير الثالث كان قد نصب الشلمغاني وكيلاً عنه في فترة من الزمن، ومن ذلك ما رواه الشيخ في الغيبة: أخْبَرَني جَمَاعَةٌ، عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ أحمد بْن مُحَمَّدِ بْن عَيَّاشٍ، عَنْ أبي غَالِبٍ الزُّرَاريّ، قَالَ: قَدِمْتُ مِنَ الكُوفَةِ وَأنَا شَابٌّ إِحْدَى قَدَمَاتِي وَمَعِي رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِنَا - قَدْ ذَهَبَ عَلَى أبي عَبْدِ اللهِ اسْمُهُ - وَذَلِكَ فِي أيام الشَّيْخ أبي القَاسِم الحُسَيْن بْن رَوْحٍ (رحمه الله) وَاسْتِتَارهِ وَنَصْبِهِ أبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ المَعْرُوفَ بِالشَّلْمَغَانِيّ وَكَانَ مُسْتَقِيماً لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الكُفْر وَالالحَادِ وَكَانَ النَّاسُ يَقْصِدُونَهُ وَيَلْقَوْنَهُ لأنه كَانَ صَاحِبَ الشَّيْخ أبي القَاسِم الحُسَيْن بْن رَوْحٍ سَفِيراً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمُهِمَّاتِهِمْ.
فَقَالَ لِي صَاحِبي: هَلْ لَكَ أنْ تَلْقَى أبَا جَعْفَرٍ وَتُحَدَّثَ بِهِ عَهْداً فَإنَّهُ المَنْصُوبُ اليَوْمَ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ فَإنّي أُريدُ أنْ أسْألَهُ شيئاً مِنَ الدُّعَاءِ يَكْتُبُ بِهِ إلى النَّاحِيَةِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، ... - إلى أن يقول: - فَكَتَبْتُ رُقْعَةً ذَكَرْتُ فِيهَا حَالِي وَمَا أنَا فِيهِ مِنْ خُصُومَةِ القَوْم لِي وَامْتِنَاعِهِمْ مِنْ حَمْل المَرْأةِ إلى مَنْزلِي، وَمَضَيْتُ بِهَا أنَا وَأبُو جَعْفَرٍ إلى مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الوَاسِطَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الحُسَيْن بْن رَوْح (رضي الله عنه) وَهُوَ إذ ذَاكَ الوَكِيلُ، فَدَفَعْنَاهَا إليه وَسَألنَاهُ إِنْفَاذَهَا، فَأخَذَهَا مِنّي وَتَأخَّرَ الجَوَابُ عَنّي أيَّاماً فَلَقِيتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ سَاءَنِي تَأخُّرُ الجَوَابِ عَنّي، فَقَالَ: لاَ يَسُوؤُكَ فَإنَّهُ أحَبُّ إِلَيَّ لَكَ وَأوْمَأ إِلَيَّ أنَّ الجَوَابَ إِنْ قَرُبَ كَانَ مِنْ جِهَةِ الحُسَيْن بْن رَوْح (رضي الله عنه) وَإِنْ تَأخَّرَ كَانَ مِنْ جِهَةِ الصَّاحِبِ (عليه السلام). [الغيبة للشيخ الطوسي: 302/ رقم 256]
ولكن الشيخ الطوسي قال في موضع آخر: وأخبرنا جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى، عن أبي عليّ محمّد بن همام، أنَّ محمّد بن عليّ الشلمغاني لم يكن قط باباً إلى أبي القاسم، ولا طريقاً له ولا نصبه أبو القاسم بشيء من ذلك على وجه ولا سبب، ومن قال بذلك فقد أبطل، وإنما كان فقيهاً من فقهائنا فخلط وظهر عنه ما ظهر، وانتشر الكفر والإلحاد عنه.
فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه والبراءة منه وممن تابعه وشايعه وقال بقوله. [الغيبة للطوسي: 408/ رقم 381.]
فكيف الجواب عن هذا التنافي؟


بسم الله الرحمن الرحيم
القدر المتيقن أن الشلمغاني كان رجلاً عالماً ومن الشخصيات التي تمتلك حضوراً فاعلاً في الوسط الشيعي، وبرز دوره بشكل واضح على الساحة بعد اعتقال السفير الثالث الحسين بن روح من قبل المقتدر العباسي لاسيما مع الاستقامة التي كان عليها في أول أمره والتي يتفق الجميع عليها، وبطبيعة الحال مع كل هذه الأسباب المتظافرة يتولد له ظهور اجتماعي يفرض نفسه على الواقع يهيئ الذهنية الشيعية العامة لتقبله وسيطاً أو وكيلاً للسفير الثالث يرجعون إليه ويعتمدون على آرائه وإرشاداته، لاسيما أن صحبته ومرافقته بل وقربه من السفير الثالث أيام استقامته وتوسطه أحياناً لبعض الشيعة بإيصال حوائجهم وأسئلتهم كانت توحي لهم جميعاً أنه منصَّب من قبل نفس الحسين بن روح (رحمه الله)، ولأجل ذلك يمكن أن نفهم دور الوكالة أو الوساطة التي كانت عند الشلمغاني إنما هي وكالة فرضتها طبيعة الصفات الخاصة التي كان عليها شخصه وتعامل معها بعض الشيعة كواقع نيابي عن السفير الثالث، بشكل خاص يتجاوز تلك الصفات وهو الأمر الذي أنكره محمد بن همام محاولاً تبديد هذه الفكرة التي كان يحملها البعض عنه وإرجاع دوره الفاعل آنذاك إلى صفته العلمية لا إلى شيء آخر.
يؤيد هذا التحليل أن ابن همام لم ينكر دور الشلمغاني السابق له، كما أنه لم ينكر وجود رأي مخالف يذهب إلى فكرة تنصيبه بشكل خاص، وإنما كان الذي يريد إثباته أن وساطته ووكالته لم تكن ناشئة من وجه خاص أو سبب يتجاوز البعد العلمي فيه، وسواء كان الشلمغاني منصباً بشكل خاص من قبل السفير الثالث أو بشكل عام أضافته عليه صفاته الخاصة، فلن يغير كل ذلك من كون الرجل أصبح مثالاً انضم لكثير من الأمثلة والشواهد التاريخية للشخصيات التي انحرفت بعد هدايتها واستقامتها، والتاريخ الإنساني مليء بهذه النماذج وطافح بها.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

السفراء والفقهاء : ٢٠٢١/٠٨/٣١ : ٢.٢ K : ٠
: الشيخ علي الأسدي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.