(٨٥٧) الويل لمن كان في أطراف الكوفة؟
ورد عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:
إذا سمعتم باختلاف الشام فيما بينهما، فالهرب من الشام، فإن القتل بها والفتنة. قلت: إلى أي البلاد؟ فقال: إلى مكة، فإنها خير بلاد يهرب الناس إليها. قلت: فالكوفة؟ قال: الكوفة ماذا يلقون؟ يُقتل الرجال إلا شامي، ولكن الويل لمن كان في أطرافها، ماذا يمر عليهم من أذى بهم، وتسبى بها رجال ونساء، وأحسنهم حالا من يعبر الفرات، ومن لا يكون شاهدا بها قلت: فما ترى في سكان سوادها؟ فقال بيده، يعني لا، ثم قال: الخروج منها خير من المقام فيها. قلت: كم يكون ذلك؟ قال: ساعة واحدة من نهار. قلت: ما حال من يؤخذ منهم؟ قال: ليس عليهم بأس، أما إنهم سينقذهم أقوام ما لهم عند أهل الكوفة يومئذ قدر، أما لا يجوزون بهم الكوفة. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص271/ 164]
ممكن توضيح لهذه الرواية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الرواية بصدد الحديث عن فتنة الشام والاضطرابات التي تحصل هناك قبل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) والتي ستتمخض عن سيطرة السفياني على الشام وقتله لمناوئيه ومعارضيه.
عن الإمام الباقر (عليه السلام) في رواية طويلة مع جابر ويقول فيها: فأول أرض تخرب أرض الشام، ثم يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب وراية الأبقع وراية السفياني، فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون فيقتله السفياني ومن تبعه، ثم يقتل الأصهب ثم لا يكون له هِمّة إلّا الإقبال نحو العراق ويمر جيشه بقرقيسياء، فيقتتلون بها فيقتل بها من الجبارين مائة ألف، ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألفا، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان. [الغيبة للشيخ النعماني: ص317] ليكون مقصده بعد ذلك العراق وتحديداً الكوفة ولأجل ذلك ترسم لنا الروايات توصيات وخارطة طريق للتعامل مع فتنة هذا الرجل وكيفية الخلاص من إفساده وظلمه والخروج بأقل التضحيات والخسائر، ولا يعني ذلك شرعنة الهروب والفرار بقدر ما هي محاولة اعداد للمواجهة والتهيؤ للانضواء تحت راية الإمام (عجّل الله فرجه) في مكة باعتبارها المنطلق لخروجه (عجّل الله فرجه) والتوجه بعدها إلى العراق.
عن الحضرمي قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف نصنع إذا خرج السفياني قال: تغيب الرجال وجوهها منه، وليس على العيال بأس، فإذا ظهر على الأكوار الخمس يعنى كور الشام فانفروا إلى صاحبكم. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص272]
والرواية في كل حال تدل على أن خطر السفياني إنما يتركز في مركز الكوفة آنذاك، ويضعف في نواحيها البعيدة نسبياً حتى يتلاشى أو يكاد بعبور نهر الفرات، لا سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن حركة السفياني نحو الكوفة لن تكون بمعزل عن مواجهة مرتقبة مع رايتي (اليماني والخراساني) واللتان تتسابقان معه كفرسي رهان نحو الكوفة.
عن الإمام الباقر (عليه السلام): حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني هذا من المشرق وهذا من المغرب يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان هذا من هنا وهذا من هنا. [الغيبة للشيخ النعماني: ص264]
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اليماني والسفياني كفرسي رهان. [الآمالي للشيخ الطوسي: ص661]
الأمر الذي يفسر لنا بعد ذلك معنى أن تلك الجريمة (ساعة واحدة من نهار)، وأن السبايا التي تؤخذ من الكوفة سيتم تحريرهن سريعاً من دون أن يتجاوزوا بهن الحدود الجغرافية لها، ولا يخفى أن التفاصيل في حركة السفياني والتي ترد في الروايات والأخبار كلها عرضة للبداء، وتخضع للمحو والاثبات، فلا تؤخذ كقدر وقانون حتمي لا مناص منه، كما هي عقيدتنا الثابتة عن (البداء) والتي تعطي الفعالية للمشيئة الالهية في تغيير طبيعة القضاء الالهي فيما لو أصلحنا ما بيننا وبين الله تعالى.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: أحمد الكعبي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)