(٩١٤) الزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً...
ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) لجابر الجعفي: الزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك؛ اختلاف بني فُلان ومنادي ينادي من السماء، ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفرج، وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية... فأول أرض تخرب الشام، يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني.
١- ما المقصود بمنادي ينادي من السماء ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفرج؟
٢- هل سيكون هناك نداء للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من بلاد الشام يبشر بفرجه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
يتضح من الروايات الشريفة أن النداء الذي يسبق الظهور المقدس ليس بنداء واحد وإنما هو متعدد، وأحياناً يجري الخلط بينها ويؤخذ كله بسلة واحدة، وليس الأمر كذلك، فهناك النداء الرمضاني والذي يكون أقوى علامات الظهور الحتمية في تشخيص ظهور الإمام (عجّل الله فرجه).
فقد روي عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: يا أبا محمد، إن قدام هذا الأمر خمس علامات: أولاهن النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء. [الغيبة للشيخ النعماني: ص301]، ولا مناص من كون أولية النداء هنا بمعنى أولية رتبية وإشارة إلى أقوائيته على باقي العلامات الأخرى، لا إن أوليته أولية زمانية بالنسبة لباقي العلامات، لضرورة أن فتنة السفياني وخروجه متقدم زمانياً على شهر رمضان الذي سيقع فيه النداء.
وهناك أيضاً النداءات الثلاثة التي ستقع في شهر رجب، فقد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) كأني بهم أسرّ ما يكونون، وقد نودوا نداءً يسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ، يكون رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين، فقلت: وأي نداء هو؟ قال: ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء: صوتاً منها: إلّا لعنة الله على القوم الظالمين، والصوت الثاني: أزفت الآزفة، يا معشر المؤمنين، والصوت الثالث: يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس: هذا أمير المؤمنين قد كرّ في هلاك الظالمين. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص439]
وهناك النداء الآخر أو الصوت الذي سيأتي من جهة الشام، والذي ورد في رواية الإمام الباقر (عليه السلام) في سؤالكم أعلاه وقبل أن نبحث عن طبيعة هذا النداء وماهيته، لابد من التأكيد على أن النداء الرمضاني الذي ذكرناه أولاً يختلف عن النداءات الرجبية الثلاثة، للتغاير الزماني في وقوعها وظرفها، وبعد ذلك يمكن أن نبحث في الروايات لمحاولة التعرف على طبيعة هذا النداء الشامي وماهي خصوصياته:
1- الخصوصية الأولى: إن هذا النداء هو نداء أرضي، وإن كان هناك بعض الروايات الضعاف سنداً قد يشير إلى سماوية هذا النداء.
2- الخصوصية الثانية: إن هذا النداء يأتي من جهة الشام وبذلك سيختلف عن النداءات الرجبية والتي لا تشخص جهتها أو ناحيتها وعلى حد وصف رواية الشيخ الطوسي لها (يسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ) ومعلوم أن الصوت إذا صدر من جهة معينة سوف تزداد شدته كلما اقتربنا من تلك الجهة.
3- الخصوصية الثالثة: إن هذا النداء يحمل خبراً ساراً للمؤمنين، عبّرت عنه الروايات تارة (بالفتح) كرواية المفيد المتقدمة، والبعض الآخر عبرت بأن فيه (فرج عظيم) كالرواية التي ذكرها النعماني في كتابه الغيبة ص288: عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): أنه قال: توقعوا الصوت يأتيكم بغتة من قبل دمشق فيه لكم فرج عظيم.
4- الخصوصية الرابعة: هذا النداء ليس علامة مباشرة لظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، فإن بعض العلامات مرتبطة بشكل مباشر بظهوره (عجّل الله فرجه) كالنداء في شهر رمضان أو خروج اليماني، وبعض العلامات هي مقدمة وأمارة للعلامات المباشرة، ولذا عبرت عنه الروايات بأن (فيه فرج لكم) وهذا التعبير يشعر بإن دلالات هذا النداء غير مرتبطة بالتبشير بظهور نفس الإمام (عجّل الله فرجه) وإنما بمقدمات وإرهاصات ظهوره (عجّل الله فرجه) والفترة المتاخمة لخروجه وبداية الأحداث، ومما يؤيد هذا المعنى ويؤكده ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن عمار بن ياسر عن طبيعة ومضمون هذا النداء في كتابه الغيبة ص441: وينادي منادٍ على سور دمشق: ويل لأهل الأرض من شر قد اقترب.
وبعد ذكر هذه الخصوصيات الأربع، يمكن أن نقترب كثيراً من تشخيص هذا النداء، والظرف الذي سيكون فيه، وأنه مرتبط بمعركة قرقيسيا، والهلاك الكبير الذي سيوقعه الله تعالى بالجبارين والظالمين.
فقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن لله مائدة - وفي غير هذه الرواية: مأدبة - بقرقيسياء يطلع مطلع من السماء فينادي: يا طير السماء، ويا سباع الأرض، هلموا إلى الشبع من لحوم الجبارين. [الغيبة للشيخ النعماني: ص287]
وكذلك ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): إن لولد العباس والمرواني لوقعة بقرقيسياء يشيب فيها الغلام الحَزَوَّر (اليافع) ويرفع الله عنهم النصـر، ويوحي إلى طير السماء وسباع الأرض: اشبعي من لحوم الجبارين، ثم يخرج السفياني. [الغيبة للشيخ النعماني: ص316]
فإن النداء الذي سيكون من جهة الشام أو دمشق هو نفس النداء الذي سيحصل عند معركة قرقيسيا، وإنما تغايرت الروايات في مضمونه لأن كل رواية تحكي طرفاً منه، ومما يؤيد وحدة هذا النداء: أن مؤدّاه وغايته واحدة، وهي التبشير بهلاك القسم الأكبر من أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، وبذلك سيكون فيه فرج وفتح لشيعتهم (عليهم السلام) فإن هذه المعركة ستكون من الممهدات والمقدمات الضرورية لانتصار الإمام (عجّل الله فرجه) والتمهيد له بإضعاف الخط المناوئ من أعدائه وخصومه، فيبتليهم الله تعالى بقتل بعضهم بعضاً، ويُلقي بينهم العداوة والبغضاء حتى تنكسر هذه الجبهة وتصاب بالضعف والوهن.
ويبدو من موقعية قرقيسيا الجغرافية أنها مرتبطة بما ذكرته بعض الروايات من الاقتتال الكبير الذي سيحصل على كنز ينحسر عنه شاطئ الفرات، ويكون هو السبب والأرضية لتلك المعركة، والتي ستأكل نارها الكثير من هؤلاء المتصارعين عليه، فقد روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): تحسر الفرات عن جبل من ذهب وفضة فيقتل عليه من كل تسعة سبعة فإن أدركتموه فلا تقربوه. [الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص207]، والذي يؤيد هذا الارتباط بين معركة قرقيسيا وكنز الفرات ما رواه أيضاً نعيم بن حماد عن كعب: تكون ناحية الفرات في ناحية الشام أو بعدها بقليل مجتمع عظيم فيقتتلون على الأموال فيقتل من كل تسعة سبعة، وذاك بعد الهدة والواهية في شهر رمضان، وبعد افتراق ثلاث رايات يطلب كل واحد منهم الملك لنفسه. [الفتن لنعيم المروزي: ص207]
فإن شرارة المعركة بين هذه الرايات المختلفة ستكون طمعاً للاستيلاء فيما بينهم على ما يظهر إنه مورد اقتصادي كبير عبرت عنه الروايات تارة بالكنز أو جبل من ذهب.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: باقر محمد : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)