(١١٠٤) هل البراق معروفة لدى الحسني ولدى الناس...؟
ورد في كتاب في موقعكم المبارك كتاب موجز دائرة معارف الغيبة النص التالي:
الدابة التي عرج بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى السماء، وإظهارها من قبل الإمام المهدي (عليه السلام) إحدى معجزاته في وقت تشتد فيه الخلافات بين الجميع، ولغرض الوقوف على صحة دعوى الإمام (عليه السلام) وحقيقة هويته، فإن الحسني سيطالبه بإظهار براق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عندها تظهر حقيقة الأمر ولا يبقى مجال للشك في شخص الإمام (عليه السلام) وهويته.
سؤالي هو:
هل البراق معروفة لدى الحسني ولدى الناس في ذلك الوقت حتى تكون دلالة واضحة على أدلة الإمام (عجّل الله فرجه)؟ ومن يثبت أنه حقاً البراق الذي عرج عليه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الوسيلة التي بواسطتها انتقل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في حادثة الإسراء والمعراج هي البراق كما ذكرت ذلك العديد من الروايات، وقد روى الصدوق عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قوله: (إن الله سخر لي البراق وهي دابة من دواب الجنة ليست بالقصير ولا بالطويل، فلو أن الله تعالى أذن لها لجالت الدنيا والآخرة في جرية واحدة هي أحسن الدواب لوناً). [عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق: ج2، ص35]
وروي كذلك عن الإمام الباقر (عليه السلام): أتى جبرئيل (عليه السلام) رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالبراق أصغر من البغل وأكبر من الحمار، مضطرب الأذنين، عينيه في حافره وخطاه مد بصره وإذا انتهى إلى جبل قصرت يداه وطالت رجلاه فإذا هبط طالت يداه وقصرت رجلاه، أهدب العرف الأيمن له جناحان من خلفه. [الكافي للشيخ الكليني: ج8، ص376]
وقد ذكر الطريحي في مجمع البحرين سبب تسميتها بالبراق بقوله: سمي بذلك لنصوع لونه وشدة بريقه، وقيل لسرعة حركته تشبيهاً. [ مجمع البحرين للطريحي: ج5، ص138] وهو المعنى الذي رواه البحراني في تفسير البرهان عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حينما سئل (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن سرعة هذه الدابة فقال: إن شئت أن تجوز بها السماوات السبع والأرضين السبع فتقطع سبعين ألف عام ألف مرة كلمح البصر، قدرت. [البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني: ج3، ص500]
ويظهر من الأخبار أن البراق كان مركباً للأنبياء السابقين أيضاً، فقد نقل القمي في تفسيره عن الإمام الصادق (عليه السلام): أن جبرئيل جاء بالبراق لإبراهيم (عليه السلام) وحمله عليه مع إسماعيل وهاجر من بادية الشام إلى مكة. [تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي: ج1، ص60]
وعلى كل حال، ليس بين أيدينا ما يمكن أن يحدد لنا على نحو حاسم طبيعة البراق وماهيته فقد يكون مركبة ووسيلة نقل جرى التعبير عنها في الأخبار بالدابة باعتبار أن الفهم السائد عند العرب آنذاك لا يتجاوز دائرة هذا التمثيل الكنائي فيجري التشبيه بالدابة أو الحمار من جهة أنسهم بها كوسائل وحيدة للنقل من دون أن يوجد غيرها.
ويمكن أن نستظهر من بعض الروايات هذه المقاربات والتشبيهات من قبيل ما ورد:
- عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): آيات تكون قبل الساعة، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده. [مسند أحمد بن حنبل: ج3، ص89]، ومن القريب جداً أن الحديث النبوي فيه إشارة إلى الأجهزة الحديثة التي تتخذ للمراقبة والتجسس والتي بسبب صغر حجمها يمكن وضعها في أماكن مختلفة.
- وهكذا ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول عهدك في كفك، فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفك واعمل بما فيها. [الغيبة للشيخ النعماني: ص334]، والذي يمكن أن نفهمه اليوم بالأجهزة الذكية كالموبايلات أو أجهزة الاتصال الأخرى.
- وقريب منه ما روي عنه (عليه السلام) أيضاً: إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص389]
وإذا صح هذا المعنى من التقريب يمكن أن نفهم مطالبة الحسني بإظهار الإمام (عجّل الله فرجه) تلك الوسيلة التي يعتمدها في تنقلاته والتي كانت من مواريث الأنبياء السابقين وما تتضمنه من دلالات على تشخيص الإمام (عجّل الله فرجه) وثبوت هويته وإمامته للناس جميعاً، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلّا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء.
كما ويظهر من نفس الرواية أن مطالبة الحسني كان الهدف منها التعريف بشخص الإمام (عجّل الله فرجه) لأتباعه وجيشه ولبعث الطمأنينة فيهم حتى لا يلتوي عليه أحد منهم، فقد جاء فيها: وهو والله يعلم أنه المهدي، وأنه ليعرفه، ولم يرد بذلك الأمر إلّا ليُعرِّف أصحابه من هو؟ فيخرج الحسني فيقول: إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وخاتمه، وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه اليربوع وناقته العضباء، وبغلته الدلدل، وحماره اليعفور، ونجيبه البراق، ومصحف أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ فيخرج له ذلك ثم يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق، ولم يرد ذلك إلّا أن يري أصحابه فضل المهدي (عليه السلام) حتى يبايعوه. فيقول الحسني: الله أكبر، مد يدك يا بن رسول الله حتى نبايعك... [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج53، ص15]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: أبو محمد التميمي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)