(١١١٣) هل يعتبر طول الزمن أو قصره من علامات الظهور؟
كيف سيكون مفهوم (الزمان) في زمن الظهور؟ وكيف ورد انقباض وانبساط الزمان في روايات علامات الظهور وزمن الظهور؟
علماً أنكم بيّنتم شيئاً من ذلك في سؤالين رأيتُ شيئاً من عدم التوافق في أجوبتهما، والسؤالان هما:
السؤال رقم (٤٣٧) هل لشعورنا بسرعة مرور السنوات علاقة بالعلامات؟
والسؤال رقم (٩٩٢) كيف يحدث يوم القيامة على شرار الخلق...؟
حيث بينتم في أحدهما عن انبساط الزمان وفي الآخر عن انقباضه.
بسم الله الرحمن الرحيم
بطئ الزمان أو سرعة مروره تارة يرتبط بالحالة الشعورية للإنسان وطبيعة إحساسه به وهو في هذه الحالة لا يتجاوز الادراك الإنساني إلى الواقع الخارجي، فيبقى للزمان واقعيته الانتزاعية المستقلة عن الإنسان من دون أن يكون في نفس الأمر والواقع سريعاً أو بطيئاً ولذلك يتفاوت هذا الشعور من إنسان إلى آخر، فالذي يعاني الاكتئاب النفسي على سبيل المثال يشعر أن الزمن يمر ببطئ شديد على عكس الإنسان الذي يعيش حالة السرور والابتهاج النفسي فيجد أن الوقت يمر سريعاً.
بل يحصل التفاوت في الاحساس بالوقت حتى على المستوى الاجتماعي، فالأفراد الذين يعيشون في المدينة مع صخبها وكثرة أحداثها المتسارعة يجدون أن الوقت يمر عليهم سريعاً من دون أن يشعروا بثقل الوقت وبطئه باعتبار أن كل ما يحيط بهم من أحداث وشواغل لا يعطيهم المجال والفراغ الذي يجعلهم يلتفتون إلى الزمن وسيره على خلاف أفراد المجتمعات الذين يعيشون في غير تلك الأجواء.
وتارة يرتبط سير الزمن من حيث السرعة والبطئ بالواقع الخارجي وقوانين الفيزياء التي تتحكم بذلك الواقع وهو في هذه الحالة يتجاوز الحالة الشعورية للإنسان لكونها تنبع من واقع موضوعي خارج عن الادراك الإنساني النفسي، ولذا تذهب الفيزياء الحديثة أن الزمن يتأثر بقوة الجاذبية للأجرام السماوية أو بالسرعة التي تنطلق بها الأجسام، فكلما اقترب الجسم من سرعة الضوء يتباطئ الزمن بالنسبة إليها حتى ينعدم تماماً مع وصول الجسم إلى سرعة الضوء على افتراض إمكانية الوصول إلى ذلك وهي فرضية مستحيلة على كل حال وفق الأسباب الطبيعية.
وتارة يرتبط السير الزماني تبعاً للمقاييس المتعارفة عند الناس، فالإنسان في أوّل وجوده على الأرض اعتبر أن شروق الشمس على سبيل المثال مقياساً على بداية يوم جديد، وبما أن الفترة الزمنية الممتدة بين الشروقين هي 24 ساعة اعتبر لأجل ذلك أن طول اليوم بليله ونهاره هو نفس عدد هذه الساعة الـ24، ولا يخفى أن هذا المقياس يتأثر بحركة الأرض حول محورها باعتبار أنها تدور حول نفسها مرة واحدة خلال اليوم الواحد، والسبب في ذلك يعود على مقدار سرعة دورانها فلو زادت سرعة دورانها عن الوضع المتعارف لأصبح اليوم الأرضي قصيراً ولو تباطأت سرعة دورانها لأصبح الأمر على العكس، من ذلك وعلى ضوء هذا البيان المتقدم والتفصيلات المرتبطة بالسير الزمني وأقسامه يمكن أن نستظهر من الروايات أن الزمن في عصر الظهور أو قبل القيامة سوف يتباطأ تبعاً لبطئ دوران الأرض حول نفسها فيطول اليوم الواحد (الليل والنهار) أكثر من 24 ساعة حتى يصل إلى عشرة أضعاف ذلك فتصبح السنة الواحدة بمقدار عشر سنين كما دلّت على ذلك الرواية الواردة عن الإمام الباقر (عليه السلام) والتي جاء فيها: إذا قام القائم (عليه السلام) فيمكث على ذلك سبع سنين، مقدار كلّ سنة عشر سنين من سنيكم هذه، ثمّ يفعل الله ما يشاء. قال: قلت له: جُعلت فداك، فكيف تطول السنون؟ قال: يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلَّة الحركة، فتطول الأيّام لذلك والسنون. قال: قلت له: إنَّهم يقولون: إنَّ الفلك إن تغيَّر فسد، قال: ذلك قول الزنادقة، فأمَّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك، وقد شقَّ الله القمر لنبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وردَّ الشمس من قبله ليوشع بن نون، وأخبر بطول يوم القيامة وأنَّه ﴿كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾. [الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص385]
والرواية كما هو واضح لا تتحدث عن (القسم الأول) الذي ذكرناه سابقاً والمرتبط بالحالة الشعورية للإنسان بل هي بصدد الحديث عن حالة واقعية مرتبطة بالحالة الفلكية وطبيعة دوران الأرض حول نفسها.
وأمّا ما تم ذكره في السؤال رقم (٤٣٧) فهو غير مرتبط بهذا الموضوع بل بما يستشعره السائل من شعوره بسرعة مرور الوقت ومحاولة تفسيره لهذا الشعور، بما ورد من الروايات التي ذكرنا بعضها أعلاه والحال أننا بيّنا أن رواية الإمام الباقر (عليه السلام) السابقة تتحدث عن ظاهرة حقيقية مرتبطة بالواقع الخارجي (القسم الثالث) وليست معنية (بالقسم الأول) والذي هو مجرد حالة شعور نفسي قد يستشعره الكثير من الناس في عصرنا هذا أو في العصور السابقة وهي تتفاوت عند الأفراد تبعا لحالتهم المزاجية أو الإدراكية.
نعم يمكن أن تكون بعض الروايات أشارت إلى هذا المعنى (القسم الأول) والتي عبّرت عنه بـ(تقارب الزمان) كظاهرة يستشعرها الإنسان قبل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) والقرينة على ذلك أن هذا التوصيف ورد في سياق أحداث ووقائع تحكي عن انحرافات اجتماعية أخلاقية كثيرة تكون منشأ لسلب البركة والتوفيق من حركة الإنسان في الدنيا تجعله يتأخر في بلوغ أهدافه ومقاصده حتى لا يعود ينتفع من السنة إلّا كمن ينتفع من الشهر كما هو الظاهر من الرواية المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) والتي جاء في بعض فقراتها: وتكافأ الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وزخرفوا الجدارات، وعلوا على القصور، وشهدوا بالزور وضاقت المكاسب، وعزت المطالب، واستصغروا العظائم، وعلت الفروج على السروج، فحينئذ تصير السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة لا قيمة لها. [مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي: ج11، ص378]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: حسن النجفي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)