(١١٤٠) ... يقتل ثلث، ويموت ثلث، ويبقى ثلث.
ورد أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لا يخرج حتى يقتل ثلث، ويموت ثلث، ويبقى ثلث.
الثلث يعني حالياً تقريباً (2) مليار، كيف يموتون (2) مليار؟ هذا العدد كبير لا يُقتل إلّا في قنبلة ذرية إذا بشكل سريع، أمّا إذا قلنا بشكل تدريجي فهكذا عدد على الأقل يأخذ (30) سنة لكي يقتل!
وسؤال آخر أيضاً في نفس الرواية ذكرت (يقتل ويموت) يعني الظاهر القتل الحروب والموت الموت الطبيعي، فعلى هذه الاحتمالية والتفسير المقصود هو الموت الطبيعي بعبارة الموت في الرواية وعبارة القتل تدل على الحروب.
فلو فهمنا الحديث هكذا يكون مصداق الحديث على مدى بعيد وليس في وقت واحد؟
بسم الله الرحمن الرحيم
المعنى الذي تذكره هذه الروايات متظافر ومستفيض في الأخبار والكتب المعتبرة، والأحاديث التي أشارت لذلك منها المعتبر والضعيف واختلافها في عدد الهالكين لا يضر بصحتها، لأن العدد لا مفهوم له كما ثبت ذلك في علم الأصول، لا سيما أن هذه الأحداث المستقبلية مما تخضع لعنصر البداء، والمحو والإثبات، والتقديم والتأخير، والزيادة والنقصان، فيكون كل منها ناظراً إلى تحقق شرط أو عدم تحققه، مع أن أغلب الروايات تحدده بالثلثين أو ما في معناه.
فمن الروايات المعتبرة ما رواه النعماني: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن عبد الله، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن زرارة قال: لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢٨٢]
وما رواه الشيخ الصدوق: حدثنا محمد بن الحسن (رضي الله عنه) قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قدام القائم موتتان: موت أحمر وموت أبيض، حتى يذهب من كل سبعة خمسة، الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٦٥٥]
أمّا تحديد الفترة التي تقع فيها هذه الأحداث وكم تستغرق من الناحية الزمنية، فلم يرد في الروايات إلّا بشكل إجمالي، ولكن يظهر منها أن هذا الهلاك الذي تحدثت عنه الأخبار إنما هو هلاك متصل باليوم الموعود يُبتلى به الناس كنتائج تراكمت عن الانحرافات السابقة وبسببه تفشى الفساد في كل مفاصل الحياة من دون أن يتمكن الإنسان من معالجة أخطائه أو القدرة على إصلاحها.
وقد ورد هذا المعنى في رواية الإمام الصادق (عليه السلام): لا بد أن يكون قدام قيام القائم سنة يجوع فيها الناس، ويصيبهم خوف شديد من القتل، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وإن ذلك في كتاب الله لبين. ثم تلا هذه الآية ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَـيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّـرِ الصَّابِرِينَ﴾. [الغيبة للشيخ النعماني: ص259]
وورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): لا يقوم القائم إلّا على خوف شديد من الناس، وزلازل، وفتنة وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس، وتشتيت في دينهم، وتغيير في حالهم، حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساء. [الغيبة للشيخ النعماني: ص240]
حتى تبلغ الأمور ذروتها في الحلقة الأخيرة من مسيرة الإنسانية قبل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، ليستشعر الناس حينذاك عجزهم التام عن إصلاح أوضاعهم، وليتصل عجزهم من غير أمل يلوح في الأفق إلّا على يديه المباركتين لتنتهي هذه الأزمات، وتتوقف الحروب، ويعم السلام، ويُقضى على الأوبئة والأمراض التي فتكت بهم، وهذا هو الفرق بين هذا الهلاك الذي ذكرته الروايات كعلامة من علامات الظهور وبين ما وقع من حروب وأمراض سابقة لا ترتبط بتلك العلامات، فإن المجتمعات الإنسانية وإن تعرضت لكل ذلك على مر التأريخ ولكنها استطاعت بشكل وآخر أن تنهض ثانية وتخرج من محنتها، ولكن هذه المرة يكون الأمر مختلفاً تماماً، فاليأس والخيبة من الحلول البشرية هو العنوان العام الذي يحكم المجتمعات الإنسانية، جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): فخروجه (عليه السلام) إذا خرج يكون عند اليأس والقنوط من أن يروا فرجاً. [الغيبة للشيخ النعماني: ص240]
وكيفما كان فهذه الابتلاءات والمحن إحدى سياط السماء لإيقاظ الناس وتنبيههم، وهي سنة إلهية جرت في الأمم السابقة، ويمكن أن تجري في هذه الأمة أيضاً إن لم يرعووا ويعودوا إلى رشدهم وصوابهم، يقول تعالى: ﴿فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّـرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَـرَّعُونَ﴾.
ومن هنا نفهم أن كل هذه الأحداث يمكن أن يعرضها البداء والتغيير، وإنما هي أحداث مرهونة بشروطها ومتوقفة على إرادة النوع الإنساني واستعداده وهو الذي يتحمل مسؤولية مآلات الأمور ونهاياتها، وإنما الذي تذكره الروايات والأحاديث الشريفة عملية كشف لما يمكن أن تكون عليه العواقب والنتائج، ولذلك نجد الإمام الصادق (عليه السلام) يضع الناس بين أمرين: إمّا الرجوع إلى الله تعالى أو المضي مع الأقدار التي تأخذهم إلى المحنة والهلاك.
روى الفضل بن أبي قرة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال: فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً، فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون فحط عنهم سبعين ومائة سنة. قال: وقال أبو عبد الله (عليه السلام): هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا، فأمّا إذا لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه. [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج2، ص154]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: مرتضى المشرفاوي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)