ارسل سؤالك المهدوي:
المسار
علامات الظهور

(١١٧٤) ما هي النظرة المتزنة لحركة السفياني والحروب الأخرى قبل وبعد الظهور؟

﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً﴾ أولاً: هل في هذه الآية دلالة على عموم البلاء في عصر الظهور بحيث تكون أخبار الوقائع العظيمة في عصر الظهور لا تختص بمكان دون آخر؟
أم أن المدينة والكوفة والشام فقط هي الأماكن التي يبتلى فيها المؤمنين صبرهم الله ونصرهم؟
والذي يجعلني أسأل هذا السؤال هو: تكالب الأعداء على المؤمنون أينما ظفروا بهم بحيث لا يكفون عن المؤمنين إلّا إذا واجهوا قوة قاهرة أو سلطان جبار يمنعهم، ومتى ما ذهب هذا الجبار عادوا لسيرتهم التي نجدها في أبعد المناطق وأقربها.
ثانياً: هل روايات الوقائع الفجيعة توجب على ساكني تلك المناطق مغادرتها وإلّا فإنهم يلقون بأنفسهم في التهلكة وكذلك بالنسبة لاختيار أسمائهم؟
ثالثاً: وكذلك العكس، هل في رواية (يا سدير ألزم بيتك وكن حلساً من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك).
هل فيها دلالة على عدم شمول القتال إلّا مواقع مخصوصة، وبقية الأماكن يشملها نوع آخر من البلاء؟
رابعاً: ما هي النظرة المتزنة لحركة السفياني والحروب الأخرى قبل وبعد الظهور في روايات أهل البيت (عليهم السلام)؟
وهل يوجد فيما يطرح من فهم عند العوام اليوم مبالغة أو ظنون؟


بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: ليس في الآية الكريمة دلالة على عموم البلاء، وإنما هي بصدد بيان قضية أخرى ترتبط بحتمية زوال الدنيا وعدم بقائها للأبد، ثم بينت أن فناء الدنيا إمّا أن يكون من خلال عذاب الاستئصال الذي يلحق القرى الظالمة، وإمّا أن يكون من خلال الهلاك العام الذي يلحق القرى غير الظالمة، واستعمال مفردة الهلاك في الآية الكريمة لا يُراد منه غير الموت بأسبابه المعروفة من القتل أو الأمراض أو الشيخوخة، ولا يتضمن معنى العذاب أو العقوبة بالضرورة وقد استعمله القرآن الكريم في هذا المعنى في عدة آيات كريمة، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً﴾، ويقول تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾.
وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): ﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً﴾، قال: إنما أُمة محمد من الأُمم، فمن مات فقد هلك. [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج2، ص297]
نعم ورد في الروايات ما يشير لذلك قبل عصر الظهور لتراكم الانحرافات التي صنعها الإنسان بيده وبتصرفاته الخاطئة والتي أدَّت في نهاية المطاف بالمجتمعات والدول نحو السقوط والهاوية، روى النعماني عن الإمام الباقر (عليه السلام): لا يقوم القائم إلّا على خوف شديد من الناس، وزلازل، وفتنة وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس، وتشتيت في دينهم، وتغيير في حالهم، حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساء، من عظم ما يرى من كَلَب الناس وأكل بعضهم بعضاً. فخروجه (عليه السلام) إذا خرج يكون عند اليأس والقنوط من أن يروا فرجاً. [الغيبة للشيخ النعماني: ص240]
وورد أيضاً عنه (عليه السلام): واختلف أهل المشرق وأهل المغرب. نعم، وأهل القبلة، ويلقى الناس جهداً شديداً مما يمر بهم من الخوف، فلا يزالون بتلك الحال حتى ينادي مناد من السماء. [الغيبة للشيخ النعماني: ص270]
ثانياً: ورد في الروايات إرشاد المؤمنين إلى عدم مواجهة السفياني في أول خروجه وإنما يلتحقون بمكة لنصرة الإمام (عجّل الله فرجه)، ويمكن أن نفهم هذا الإرشاد لبيان أن المعركة بعيداً عن التعبئة العامة للمؤمنين وتحت راية الإمام القائم (عجّل الله فرجه) ستكون معركة لا تأتي بثمارها لاختلال موازين القوى آنذاك، فقد روي في موثقة محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام): كفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم، وهو من العلامات لكم مع أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقاً كثيراً دونكم. فقال له بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ قال: يتغيب الرجل منكم عنه، فإن حنقه وشرهه فإنما هي على شيعتنا، وأمّا النساء فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى. قيل: فإلى أين يخرج الرجال ويهربون منه؟ فقال: من أراد منهم أن يخرج، يخرج إلى المدينة أو إلى مكة أو إلى بعض البلدان، ثم قال: ما تصنعون بالمدينة، وإنما يقصد جيش الفاسق إليها، ولكن عليكم بمكة فإنها مجمعكم، وإنما فتنته حمل امرأة: تسعة أشهر، ولا يجوزها إن شاء الله. [الغيبة للشيخ النعماني: ص312]
وكذلك ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): عن الحضرمي قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) كيف نصنع إذا خرج السفياني؟ قال: تغيب الرجال وجوهها منه، وليس على العيال بأس، فإذا ظهر على الأكوار الخمس - يعني كور الشام - فانفروا إلى صاحبكم. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي:ج52، ص272]
وروى الثمالي عنه (عليه السلام): إذا سمعتم باختلاف الشام فيما بينهم فالهرب من الشام، فإن القتل بها والفتنة، قلت: إلى أي البلاد؟ فقال: إلى مكة، فإنها خير بلاد يهرب الناس إليها، قلت: فالكوفة؟ قال: الكوفة ماذا يلقون؟ يقتل الرجال إلّا شامي، ولكن الويل لمن كان في أطرافها، ماذا يمر عليهم من أذى بهم، وتسبى بها رجال ونساء وأحسنهم حالاً من يعبر الفرات، ومن لا يكون شاهداً بها، قال: فما ترى في سكان سوادها؟ فقال بيده يعني لا. ثم قال: الخروج منها خير من المقام فيها، قلت: كم يكون ذلك؟ قال: ساعة واحدة من نهار، قلت: ما حال من يؤخذ منهم؟ قال: ليس عليهم بأس أما إنهم سينقذهم أقوام ما لهم عند أهل الكوفة يومئذٍ قدر، أما لا يجوزون بهم الكوفة. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص271]
ثالثاً: البلاء كما ذكرنا في النقطة الأولى سيكون عاماً وشاملاً لأغلب بلدان العالم وبمختلف الصور سواء بالجوع أو الفقر أو الأمراض أو الظلم وإنما أشارت الروايات إلى ضرورة الالتحاق بنصرة الإمام (عجّل الله فرجه) في مكة المكرمة وأمّا زمان الالتحاق فيكون بعد حركة السفياني والذي يتفق خروجه في شهر رجب، كما جاء ذلك عن الإمام الصادق (عليه السلام): من الأمر محتوم ومنه ما ليس بمحتوم ومن المحتوم خروج السفياني في رجب. [الغيبة للشيخ النعماني: ص311]، ليشكل هذا التوقيت منعطفاً أولياً ينبغي للمؤمنين أن يتعبؤوا فيه ويتهيؤوا لنصرة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وقد نوهت الروايات بذكر علامات فارقة تحصل في هذا الشهر تمثل تشخيصاً واضحاً له رفعاً للإيهام والالتباس، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): العام الذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب، قلت: وما هي؟ قال: وجه يطلع في القمر، ويد بارزة. [الغيبة للشيخ النعماني: ص261] وستكون الشهور التالية لشهر رجب هي مرحلة الإعداد والتجهيز والتحضير باتجاه تحشيد الأنصار في مكة لتكتمل حلقتهم وتجتمع عصبتهم ليتحقق بعدها شرط الخروج والقيام، فقد ورد عنه (عليه السلام): إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله (عزَّ وجلَّ) وإن أحببتم أن تتأخروا إلى شعبان فلا ضير وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم، فلعل ذلك أن يكون أقوى لكم، وكفاكم بالسفياني علامة. [الكافي للشيخ الكليني: ج8، ص264]
رابعاً: السفياني كما حكت عنه الروايات شخصية ظلامية معادية لأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، ومع أن الأحاديث وصفته بالخبث والإجرام، كما في رواية الإمام الصادق (عليه السلام): إنك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث الناس، أشقر أحمر أزرق، يقول: يا رب ثاري ثاري ثم النار، وقد بلغ من خبثه أنه يدفن أُم ولد له وهي حية مخافة أن تدل عليه. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص651]
إلّا أن إجرامه وظلمه لن يكون مختصاً بالشيعة فقط، بل يبدأ مسلسله بسفك الدماء والقتل بغيرهم قبل أن يدخل العراق، وهذا مضمون ما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): كفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم، وهو من العلامات لكم مع أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقاً كثيراً دونكم. [الغيبة للشيخ النعماني: ص312]، ولا يخفى أن الكثير من تفصيلات الإجرام الذي سيقوم به هو من الأحداث الموقوفة والمعرضة للبداء والتغيير، وقد تضافرت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) في بيان خارطة الطريق التي ينبغي سلوكها مع حركته وخروجه للتقليل من شرِّه وإفساده، وهذه الفائدة الأهم من مطالعة علامات الظهور وأحداث آخر الزمان، فلم تكن الغاية من التأكيد على هذه المرويات مجرد الاطلاع عليها أو قراءتها، بل هي بمثابة استشراف استخباري قد تنفق بعض الدول الكثير من الأموال لغرض الحصول عليها دفعاً للأضرار التي يمكن أن تنتج عن عدم الإحاطة بها، ولا شك من وجود حالة تهويل كبيرة نُسجت حول هذه الشخصية ومبالغات نشأت في أكثر الأحيان من مرويات العامة لا نجد لها أثراً في روايات أهل البيت (عليهم السلام).
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

علامات الظهور : ٢٠٢٢/٠٢/٠١ : ١.٩ K : ٠
: أبو رضا : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.