(١٢١١) ما هي العوامل التي تساعد على دخول السفياني إلى العراق؟
ما هي العوامل التي تساعد على دخول السفياني إلى العراق؟ ونحن نملك قوة شعبية دينية عقائدية ومرجعية لها ثقلها في العراق وقاعدة جماهيرية حسينية وشباب ثوريين وحسينيين.
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يرد في الروايات والأخبار التفاصيل والجزئيات التي يمكن أن تحلل طبيعة الأسباب التي سوف تُمكن السفياني من السيطرة على العراق، لاسيما أن هذه الروايات في الغالب تستشرف المستقبل بنتائجه وأحداثه، ثم ترشد إلى الوصايا والتحذيرات التي لابد أن يعتمدها المؤمنون في تعاطيهم مع تلك الأحداث، ومع ذلك يمكن استكشاف الأسباب والعوامل التي تساعد السفياني من خلال السنن والقوانين العامة التي يؤدي توفرها في العادة إلى سقوط الدول والحضارات.
ومن أهم تلك الأسباب هي:
السبب الأول: عدم التكافؤ في القوة العسكرية التي يمكن أن يتميز بها أحد أطراف النزاع على حساب الطرف الآخر، وهذا ما يمكن أن نلمسه بوضوح من بعض الروايات التي أشارت إلى أن السفياني يكون مدعوماً ومؤيداً من قبل قوى الاستكبار آنذاك، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): ثم يبعث السفياني جيوشاً إلى الأطراف، ويسخِّر كثيراً من البلاد، ويبالغ في القتل والفساد، ويذهب إلى الروم لدفع الملك الخراساني، ويرجع منها منتصراً في عنقه صليب. [مختصر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان: ص11]
ويؤيد ذلك أيضاً ما رواه الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة عن بشر بن غالب قال: يقبل السفياني من بلاد الروم متنصراً في عنقه صليب وهو صاحب القوم. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص462]
ويبدو أن هذه القوة الكبيرة التي يتمتع بها هذا الرجل هي التي تتيح له وتمكنه من التغلب على جميع خصومه ومنافسيه، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): فأول أرض تخرب أرض الشام، ثم يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني، فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون ويقتله السفياني ومن معه ويقتل الأصهب، ثم لا يكون له همَّة إّلا الإقبال نحو العراق، ويمر جيشه بقرقيسا، فيقتتلون بها فيقتل من الجبارين مائة ألف، ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة، وعدتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً. [الغيبة للشيخ النعماني: ص289]
ومن هنا وصفت بعض الروايات اتِّصاف صاحب السفياني والأمير الذي يرسله إلى مكة والمدينة براية لا تُرد ولا تُهزم، فقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في سياق حديثه عن الفتن الحاصلة في تلك الفترة قوله: وخروج السفياني براية حمراء أميرها رجل من بني كلب واثني عشر ألف عنان من خيل السفياني يتوجه إلى مكة والمدينة أميرها رجل من بني أمية يقال له: خزيمة، أطمس العين الشمال، على عينه ظفرة غليظة يتمثل بالرجال لا ترد له راية حتى ينزل المدينة. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص273]
ويظهر أيضاً أن نفس هذه القوة الكبيرة التي توجهت إلى المدينة وسيطرت عليها هي ذاتها التي استطاعت أن تحتل الكوفة قبل ذلك وسيطرت عليها، فقد روى ابن طاووس عن أمير المؤمنين (عليه السلام): يكتب السفياني إلى الذي دخل الكوفة بخيله بعدما يعركها عرك الأديم يأمره بالمسير إلى الحجاز، فيسير إلى المدينة، فيضع السيف في قريش، فيقتل منهم ومن الأنصار أربعمائة رجل، ويبقر البطون، ويقتل الولدان... . [الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: ص125]
السبب الثاني: هو وجود العملاء والمحتالين من أهل الخبث والغدر مع ما يمثلونه من اختراق داخلي يترتب على دورهم أكبر الضرر والفساد والذي يؤدي إلى تصفية الكثير من المؤمنين والصالحين، ويبدو أن هذا التيار العميل سيكون له اليد الطولى في التحكم بالأمور حينذاك في الكوفة، فقد روى الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق (عليه السلام): كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى مناديه من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره، ويقول: هذا منهم، فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم، ما إن إمارتكم يومئذٍ لا يكون إلّا لأولاد البغايا وكأني أنظر إلى صاحب البرقع، قلت: ومن صاحب البرقع؟ فقال: رجل منكم يقول بقولكم يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم ولا تعرفونه، فيغمز بكم رجلاً رجلاً، أما إنه لا يكون إلّا ابن بغي. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص450]
ومن الواضح أن الرواية السابقة تُخبر عن وجود فئة ليست بالقليلة محسوبة بظاهرها على الشيعة ولكنها تعمل على الوشاية بالمؤمنين والسعي للقضاء عليهم، ومن القريب جداً أن هذه الفئة المنحرفة هي ذاتها التي عبرت عنها الروايات ووصفتهم بالبترية بلحاظ ولائهم للسفياني ورايته والذي سيكون لهم موقف سلبي أيضاً عند مجيء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إلى الكوفة، فقد روى الشيخ المفيد عن الإمام الباقر (عليه السلام): إذا قام القائم (عليه السلام) سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس، يدعون البترية، عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت، فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم. [الإرشاد للشيخ المفيد ج2، ص384]
وكذلك ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): يقدم القائم (عليه السلام) حيت يأتي النجف فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني وأصحابه والناس معه... فيقولون: ارجع من حيث شئت لا حاجة لنا فيك، قد خبرناكم واختبرناكم. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص387]
ومن الواضح أن العبارة التي وردت في قولهم (قد خبرناكم واختبرناكم) تعطي إيحاء بأن لهؤلاء موقفاً سياسياً مناوئاً لحكم بني فاطمة (عليها السلام) فيما اختبروه سابقاً منهم مما جعلهم يسقطون في الفتنة التي أدَّت بهم إلى موالاة السفياني والوقوف معه.
السبب الثالث: تمكّن السفياني من الاحتيال عليهم وإضلالهم من خلال التدجيل عليهم وخداعهم بإظهار نفسه أنه من الزهاد والصالحين، كما ورد ذلك في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): وهذا الملعون يظهر الزهد قبل خروجه ويتقشف ويتقنع بخبز الشعير والملح الجريش، ويبذل الأموال فيجلب بذلك قلوب الجهال والرذال ثم يدعي الخلافة فيبايعونه. [مختصر إثبات الرجعة لابن شاذان: ص63]
وكذلك ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في سياق الحديث عنه في خطبة البيان: ويعدل فيهم حتّى يقال فيه: والله ما كان يقال عليه إلّا كذباً. [إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب للشيخ علي اليزدي الحائري: ج2، ص172]
ولعل هذا السبب هو الذي يجعل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يعفو عن المغرر بهم والمخدوعين منهم، كما ورد ذلك في الرواية السابقة: فيقتلهم حتى يدخلهم أبيات الكوفة وينادي مناديه: ألا لا تتبعوا مولياً ولا تجهزوا على جريح ويسير بهم كما سار علي (عليه السلام) يوم البصرة.
مع أن الوارد في الروايات أن الإمام (عجّل الله فرجه) لن يسير مع أعدائه المعاندين بسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في العفو والصفح عنهم، وما ذلك إلّا بسبب الجهل الذي أطبق على هؤلاء وتاهوا بسببه والذي سوف يتكشف لهم بعد ذلك فيعودوا إلى رشدهم، وهو ما يُفسّر علة وجود بعض الشيعة في صفوف معسكر السفياني فيما عبرت عنه الروايات بيوم الأبدال، والذي جاء في الخبر المروي عن الإمام الباقر (عليه السلام): حتَّى إذا التقوا وهو يوم الأبدال يخرج أُناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمّد (عليهم السلام). [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج1، ص66]
السبب الرابع: الاختلافات والتناقضات التي تقع في صفوف الموالين هي الأخرى سيكون لها أثراً سيئاً يعود بنتائجه السلبية على قوة الشيعة ووحدتهم والتي تنتهي في عواقبها إلى الضعف والفشل وذهاب القوة، ولا شك أن هذه العاقبة هي سنة مطردة تحكم مسيرة المجتمعات على مر التاريخ بعد أن توفرت عللها وأسبابها، يقول تعالى ﴿وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، وقد ورد في الأخبار أن تلك النزاعات وتلك الانقسامات سوف تجد طريقها بين أتباع هذه الطائفة المحقة والتي لم يكن من المفترض في حقها أن تتناحر أو تتباين مواقفها لتوفرها على جامع مشترك كفيل برفع كل ما من شأنه توليد الشقاق والصراع فيما بينها، ومن الشواهد الروائية التي ذكرت بعض ذلك ما روي عن الإمام الحسن (عليه السلام): لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض ويلعن بعضكم بعضاً ويتفل بعضكم في وجه بعض وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض. قلت: ما في ذلك خير؟ قال: الخير كله في ذلك، عند ذلك يقوم قائمنا فيرفع ذلك كله. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص438]
وكذلك ما روي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حيث قال: يا مالك بن ضمرة كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا، وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض. [الغيبة للشيخ النعماني: 214]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: عبد الأمير : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)