(١٢٢٢) هل راية النفس الزكية تنطبق عليها راية طاغوت!؟
ورد في فقرة (هل تعلم أن) إحدى منشوراتكم الكريمة أن النفس الزكية يُقتل بين الركن والمقام قبل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) بـ (15) ليلة.
سؤالي هو:
1 - كيف نوفق بين هذا الكلام وبين كل راية قبل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) راية طاغوت؟ والنفس الزكية هو سفير الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يخرج بعد الظهور لا قبل الظهور؟
فإذا خرج قبل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) فسوف تنطبق عليه راية طاغوت!؟ والعياذ بالله.
2 - أليس التوقيت عن ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) منهي عنه، كيف ذكرت الروايات التوقيت بـ(15) يوم قبل الظهور؟ أي لو قتل اليوم النفس الزكية نقوم بحساب (15) ليلة وبعدها يظهر الإمام (عجّل الله فرجه)، فلو سألنا أحد متى يظهر الإمام نقول له بعد (15) يوم يظهر، فقمنا بالتوقيت إذن، فكيف يكون ذلك؟
3 - إذا كان الوقت معلوم بعد مقتله بـ (15) يوم يكون الظهور، وكما هو معلوم أن آل سعود لا تودّ ظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، فمن الطبيعي أنهم سوف يخفون مقتله؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
1 - الراية التي ترفع وهي مؤتمة ومهتدية بأهل البيت (عليهم السلام) ويكون قوامها دفع الظلم والحيف عن المؤمنين من دون أن يكون محركها طلب الدنيا وزخارفها، هي خارجة عن قصد الرواية والاتصاف بالضلال والطغيان، والذي يؤيد هذا المعنى ما ورد عن أبي بصير عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): وليس في الرايات راية أهدى من اليماني، هي راية هدى، لأنه يدعو إلى صاحبكم. [الغيبة للشيخ النعماني: ص171]، ويظهر من هذا الخبر أن هناك رايات هدى قبل القائم (عجّل الله فرجه)، وأن الملاك في وصف رايته بالهدى لا لخصوصية في شخص اليماني وإنما لكونه يدعو لصاحبكم وليس لنفسه.
وكذلك عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلّا إلى صاحبكم. قتلاهم شهداء، أمّا إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر (عليه السلام). [الغيبة للشيخ النعماني: ص182]، وهي أيضاً دالة على وجود فئة ثائرة بالحق، وأن قتلاهم شهداء عند الله تعالى (عزَّ وجلَّ)، وكل ذلك حاصل قبل قيام الإمام (عجّل الله فرجه) وإنما سيدفعونها إليه إذا خرج (عجّل الله فرجه).
وعليه بعد هذا البيان يمكن أن نفهم أن الرواية السابقة إنما هي بصدد الحديث عن الفئة المقابلة لراية الإمام (عجّل الله فرجه) أو التي تستغل عنوان أهل البيت (عليهم السلام) لأغراضها الخاصة وتعمل لأجل أهوائها ومقاصدها الشخصية بعيداً عن أهل البيت (عليهم السلام)، فينطبق عليها حينئذٍ عنوان الوليجة (وهي إدخال كل شيء في شيء آخر ليس منه) ورد عن أبو الصباح الكناني قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا الصباح إياكم والولائج، فإن كل وليجة دوننا فهي طاغوت، أو قال: ند. [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج٢، ص٨٣]
ومع ذلك فإن النفس الزكية يُقتل بعد ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وقبل خروجه، فإن للإمام (عجّل الله فرجه) ظهور أولي جزئي في المدينة المنورة قبل وصوله إلى مكة وتحركه منها.
مع الأخذ بنظر الاعتبار أن النفس الزكية هو مبعوث من قبل نفس الإمام (عجّل الله فرجه) وبإذنٍ منه، كما دلّت الأخبار، ولا معنى بعد ذلك لافتراض انطباق عنوان راية الضلال عليه، فقد روى أبو بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه: يقول القائم (عليه السلام) لأصحابه: يا قوم إنّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسل إليهم لأحتجّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم. فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امضِ إلى أهل مكّة فقل: يا أهل مكّة أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة (عليهم السلام)، ومعدن الرسالة والخلافة ونحن ذرّية محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) وسلالة النبيين، وإنَّا قد ظُلمنا واضطهدنا، وقُهرنا وابتزَّ منّا حقّنا منذ قبض نبينا (صلی الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا. فإذا تكلم هذا الفتى بهذا الكلام، أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص307]
كما لا معنى لإشكالية التوقيت عند مقتل النفس الزكية لما قدمناه آنفاً من أن قتله سيكون بعد ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وإنما قتله يكون علامة على القيام والخروج كما هو واضح من مفاد الرواية السابقة والتي تتضمن مخاطبة الإمام (عجّل الله فرجه) لأصحابه وشيعته، ومعنى ذلك أن الظهور الشريف قد تحقق فعلاً.
وأمّا جواب سؤالكم الأخير، فهو يفترض استصحاب الحالة المعاصرة إلى مستقبل عصر الظهور وهو ما لا تساعد عليه الأخبار التي تكلمت عن ذلك، سواء من طرقنا أو من طرق العامة، والتي تحكي لنا عن حصول تدهور كبير وفتن تضرب كل مفاصل الحياة والمجتمع، فقد جاء في الحديث: لا يقوم القائم إلّا على خوف شديد من الناس، وزلازل، وفتنة وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس، وتشتيت في دينهم، وتغيير في حالهم، حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساءً، من عظم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً. [الغيبة للشيخ النعماني: ص240]
والحجاز لن تكون بمنأى عن تلك القلاقل والاضطرابات، فهي الأخرى ستعاني من أزمة كبيرة في استتباب الأمن والاستقرار السياسي كحال بقية الدول والبلدان الإسلامية، فقد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام): إن من علامات الفرج حدثاً يكون بين الحرمين. قلت: وأي شيء يكون الحدث؟ قال: عصبية تكون بين الحرمين، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً. [الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص375]
وقد اتَّفقت روايات العامة أيضاً مع ما روي من طرقنا وزادت عليه حصول تكتلات قبلية تتصارع فيما بينها وتتقاتل طلباً للغلبة والهيمنة على السلطة، فقد روى ابن مسعود عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا كانت صيحة في رمضان فإنه تكون معمعة في شوال، وتمييز القبائل في ذي القعدة، وسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم وما المحرم! يقولها ثلاثاً. [الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص132]
وروي أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال: يحج الناس معاً ويعرفون معاً على غير إمام، فبينا هم نزول بمنى إذ أخذهم كالكَلَب فسارت القبائل إلى بعض فاقتتلوا حتى تسيل العقبة دماً. [الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص131]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: أمير : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)