(١٢٤١) ما فائدة ذكر شخصيات علامات الظهور، والحال أنه لا يجب علينا البحث عنهم؟
ما الفائدة من ذكر شخصيات في علامات الظهور كاليماني والخراساني والحسني والسفياني والدجال وغيرهم، والحال أنه لا يجب علينا البحث عنهم ولا معرفتهم ولا معرفة في أي زمان يكون خروجهم، ولا يترتب تكليف شرعي ولا مسؤولية تجاههم، فما الفائدة من ذكرهم في الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، وما الفائدة من دراستهم في علامات الظهور؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية البحث في شخصيات علامات الظهور والفائدة من ذكرهم في الأحاديث والروايات من جهة أنها تمثل وظيفة طريقية تؤدي دوراً مهماً في تشخيص ومعرفة الإمام (عجّل الله فرجه) مع بقية العلامات الأخرى التي تتزامن معها، لاسيما أنَّنا مأمورون بوجوب معرفة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بذاته وصفته ولا يخفى أن كل ما يوصلنا إلى هذه المعرفة ينبغي ويجدر بنا الإحاطة به والتعرف عليه، خصوصاً أن العقل السليم يدرك بوضوح أن ما لا يتم الواجب إلّا به (وهو معرفة الإمام (عجّل الله فرجه))، فهو واجب مثله، وهذا الوجوب هو الوجوب الذي يفرضه العقل، بمعنى أن المتهاون والمتساهل فيه يستحق الذم والتوبيخ فيما لو أخطأ في معرفة الإمام الواجب الطاعة والحال أن الأئمة (عليهم السلام) لم يألو جهداً في بيان كل ما يتوقف على هذه المعرفة الصحيحة وتشخيصها بوضوح للمؤمنين وشيعتهم، فقد روى جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: فإنَّ أمركم ليس به خفاء إلّا أنها آية من الله (عزَّ وجلَّ)، ليست من الناس إلّا أنها أضوء من الشمس لا تخفى على بر ولا فاجر، أتعرفون الصبح؟ فإنه كالصبح ليس به خفاء. [الغيبة للشيخ النعماني: ص208]
والسبب في هذا الوضوح الذي يتكلّم عنه الإمام (عليه السلام) لم يتأت من فراغ بطبيعة الحال وإنما لما احتواه أمرهم من علامات بينة وأمارات تكتنفه وتحيط به قد ركّز عليها الأئمة (عليهم السلام) قبل وقوعها في أذهان شيعتهم ومحبيهم، وبمعرفة ذلك فقط يتولد الاطمئنان عند المؤمنين في بلوغهم حالة الوعي التي تمنعهم من الوقوع في المحذور والغفلة والوهم، وقد روى عمر بن أبان عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: اعرف العلامة فإذا عرفته لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص372]
ومعنى العلامة كما يقول الميرزا الأصفهاني: ما يمتاز به صاحبها عن غيره، بحيث لا يشتبه على من عرف علامته وعلامة الإمام إمّا راجعة إلى نسبه، أو إلى بدنه أو إلى علمه وأخلاقه، أو إلى خصائصه في حال ظهوره، والعلامات المحتومة التي أخبر بها الأئمة الأطهار (عليهم السلام). [مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عجّل الله فرجه) للميرزا محمد تقي الأصفهاني: ج2، ص97]
ويتأكد هذا المعنى إذا أخذنا بنظر الاعتبار كثرة الأدعياء والمنتحلين للمناصب الغيبية والدينية وهو الأمر الذي طالما حذّر منه أهل البيت (عليهم السلام) في آخر الزمان، كما جاء في الخبر الذي يرويه المفضل عن الإمام الصادق (عليه السلام): ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أي من أي. قال: فبكيت، فقال لي: ما يبكيك، يا أبا عبد الله؟ فقلت: وكيف لا أبكي، وأنت تقول: اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أي من أي، فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصفة، فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم. قال: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص339]
ولا شك أن هذه الرايات المشتبهة إنما تشتبه على الناس معرفتها لتقصيرهم قبل ذلك في معرفة مواطن الحق من غيره، وإلّا لو كان الأمر واضحاً عندهم لا يمكن أن ينساق الكثير منهم وينقادوا لتلك الضلالات، ولذا تحدثنا الأخبار أن واحدة من أسباب تمكن السفياني هو ما يمارسه من عملية خداع ونفاق في حق بعض أهل الجهل من الناس، حتى إنهم يبايعونه باعتباره من خلفاء المسلمين، كما ورد في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، وهذا الملعون يظهر الزهد قبل خروجه ويتقشف ويتقنع بخبز الشعير والملح الجريش، ويبذل الأموال، فيجلب بذلك قلوب الجهال والرذال، ثم يدَّعي الخلافة فيبايعونه. [مختصر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان: ص63]
وكذلك ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في سياق الحديث عنه في خطبة البيان: ويعدل فيهم حتّى يقال فيه: والله ما كان يقال عليه إلّا كذباً. [إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب للشيخ علي اليزدي الحائري: ج2، ص172]
وهذا الأمر هو الذي قد يُفسّر لنا وجود بعض الشيعة في صفوف معسكر السفياني عند مواجهته لجيش الإمام (عجّل الله فرجه)، فيما عبرت عنه الروايات بيوم الأبدال كما جاء ذلك في خبر الإمام الباقر (عليه السلام): حتَّى إذا التقوا وهو يوم الأبدال يخرج أُناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمّد (عليهم السلام). [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج1، ص66]
وبهذا يُعتبر الحث على معرفة علامات الظهور حالات تعبئةٍ (تثقيفيّة) تحصّن المكلّف من مخاطر الارتجاجات الفكريّة التي ستُحدثها قضيّة الظهور وما يصاحب ذلك من مخاطر الانحراف المتولدة عن محاولات التزييف التي تنتاب المجتمعات الإسلامية وبالتالي توضع الأمور في غير موضعها الصحيح.
وهكذا فيما يرتبط بدراسة شخصية اليماني وما تضمنته الروايات في الحديث عنه خصوصاً أنه ورد فيه أن رايته هي أهدى الرايات والتي يمكن أن تُشكل علامة واضحة على طبيعة الصراع وأطرافه قبل الظهور المقدس، فقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خروج الثلاثة: السفياني والخراساني واليماني، في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني؛ لأنه يدعو إلى الحق. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص446]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: محمد علي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)