(٦٣٠) ما هي الغاية والهدف والمنفعة من الغيبة الكبرى؟
ما هي الغاية والهدف والمنفعة من الغيبة الكبرى؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أوَّلاً: لابدَّ أن نُسلِّم بأنَّ ما أراده الله تعالى لابدَّ أن يكون هو الأصلح للبشر، وأنَّنا لا نستطيع أن نعرف العلل الواقعية لأمر إلهي، والغيبة من هذا القبيل، ولذا ورد أنَّ العلَّة الحقيقية للغيبة لم يُؤذَن بالكشف عنها، فقد ورد عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابدَّ منها، يرتاب فيها كلّ مبطل، فقلت له: ولِمَ جُعلت فداك؟ قال: لأمر لم يُؤذَن لنا في كشفه لكم، قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ فقال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدَّمه من حجج الله تعالى ذكره، إنَّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، لموسى (عليه السلام) إلاّ وقت افتراقهما. يا بن الفضل، إنَّ هذا الأمر أمر من أمر الله تعالى، وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنَّه (عزَّ وجلَّ) حكيم، صدَّقنا بأنَّ أفعاله كلّها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف.
اللّهمّ إلاّ أن يكشف لنا ذلك أهل البيت (عليهم السلام) أو يكون ما يذكر هو من باب الحكمة لا أكثر، وهذا ما أشارت إليه الروايات في تعليل وقوع غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، حيث ذكرت عدَّة أسباب يمكن أن تكون حِكَماً للغيبة وعلى نحو جزء العلَّة والمقتضي لها، منها:
أ) الخوف من القتل:
عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنَّ للغلام غيبة قبل أن يقوم، وهو المطلوب تراثه، قلت: ولِمَ ذلك؟ قال: يخاف -وأومأ بيده إلى بطنه، يعني القتل-.
ذلك الخوف الذي فُسِّر بأنَّه (عليه السلام) يخاف على نفسه من أعدائه، والخوف على النفس ليس معناه الجبن، بل هو الخوف على دين الله وشريعة جدّه سيّد المرسلين (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ب) التمييز والتمحيص:
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: مع القائم (عليه السلام) من العرب شيء يسير، فقيل له: إنَّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير، قال: لابدَّ للناس من أن يُمحَّصوا ويُميَّزوا ويُغربَلوا، وسيخرج من الغربال خلق كثير.
وفي حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) السابق: وليبعثنَّ الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبنَّ عنهم تمييزاً لأهل الضلالة حتَّى يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد من حاجة.
ج) حتَّى لا يبايع ظالماً:
ورد في جواب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لمسائل إسحاق بن يعقوب: وأمَّا علَّة ما وقع من الغيبة فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]، إنَّه لم يكن أحد من آبائي (عليهم السلام) إلَّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي... .
وطبعاً هذا يعتبر واحداً من خصائصه التي تميَّز بها عن آبائه الطاهرين (صلوات الله عليهم).
د) السنن التاريخية:
عن سدير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إنَّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها، فقلت له: يا بن رسول الله، ولِمَ ذلك؟ قال: لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أبى إلاّ أن تجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وإنَّه لابدَّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: ١٩]، أي سنن من كان قبلكم.
هـ) أن لا تضيع ودائع الله (عزَّ وجلَّ):
أي المؤمنين الذين يظهرون من أصلاب الكافرين، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث ابن أبي عمير، عمَّن ذكره، قال: قلت له -يعني أبا عبد الله (عليه السلام)-: ما بال أمير المؤمنين لم يقاتل مخالفيه في الأوَّل؟ قال: لآية في كتاب الله تعالى: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً﴾ [الفتح: ٢٥]، قال: قلت: وما يعني بتزايلهم؟ قال: ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين، فكذلك القائم (عليه السلام) لم يظهر أبداً، حتَّى تخرج ودائع الله (عزَّ وجلَّ)، فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله (عزَّ وجلَّ) فقتلهم.
و) قبائح أعمال العباد، وفضائح أفعالهم، ممَّا يُسبِّب قلَّة العدد المطلوب من الأنصار:
فإنَّها المانعة عن ظهوره (عليه السلام) عقوبةً علينا كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: واعلموا أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله (عزَّ وجلَّ)، ولكنَّ الله سيُعمي خلقه عنها، بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم... الخبر.
وفي توقيع الحجَّة (عليه السلام) إلى الشيخ المفيد (رحمه الله): ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخَّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا، على حقِّ المعرفة، وصدقها منهم بنا، فما يَحبِسنا عنهم إلَّا ما يتَّصل بنا ممَّا نكرهه، ولا نُؤثِره منهم، والله المستعان... .
ز) إظهار عجز من يسعى للإصلاح الكامل من غير أهل البيت (عليهم السلام) وإن كان محقَّاً:
عن أبي صادق، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: دولتنا آخر الدول، ولن يبقَ أهل بيت لهم دولة إلَّا ملكوا قبلنا، لئلَّا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٨].
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: علي الخزاعي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)