(٩١٢) يختلف الشيعة ويبرأ بعضهم من بعض
هل يمكننا أن نعد ما يحدث اليوم من خلاف بين الشيعة على أنه أحد مصاديق الروايات التي تذكر أنه يختلف الشيعة ويبرء بعضهم من بعض، ويلعن بعضهم بعضاً، ويتفل بعضهم في وجوه بعض، ويشهد بعضهم على بعض بالكفر، حيث يوجد خلاف واضح بين العلماء وبين أتباع فلان الذين لعلهم يسمون أنفسهم بأصحاب النهج البرائي ويجهرون بالبراءة وبين أتباع فلان، حيث نجد أن أصحاب المنهج الأول يكفّرون ويلعنون ويسبّون من يخافهم ويصفون هذا بالبتري وذلك بالكافر، وأصحاب المنهج الثاني المعارضون لهم منهم من يصف أولئك بالضالين أو المنحرفين.
هل هذه أحد المصاديق على الخلاف بين الشيعة الذي تحدثت عنه الروايات والذي لا يُرفع إلّا بظهور القائم (عجّل الله فرجه)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الاختلاف الذي سيحصل قبل عصر الظهور والذي سجلته الروايات لن يكون خاصاً بين الشيعة فقط، بل هو مظهر عام في جميع مناحي الحياة المتاخمة لزمان ظهوره (عجّل الله فرجه) فقد روى النعماني في الغيبة عن الإمام الباقر (عليه السلام): ... وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس، وتشتت في دينهم وتغير من حالهم. [الغيبة للشيخ النعماني: ص240]، وإنما جرى التأكيد على الاختلاف الذي سيقع بين الشيعة بالخصوص لأن هذه الطائفة الحقة لا يفترض في حقها الاختلاف والتناحر، لتوفرها على جامع مشترك فيما بينهم كفيلٍ برفع كل ما من شأنه توليد الشقاق والنزاع، وهي ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وكما ورد ذلك في الخطبة المعروفة للزهراء (عليها السلام) (وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من الفرقة)، فيكون الأمر تحذيراً وارشاداً لتجنبه أو حصره في أضيق دوائره، حتى لا تتسع مدياته بالشكل الذي يخرجه عن طبيعته العقلائية المعهودة والمقبولة فيما يصح فيه الاختلاف، كالذي يقع بين العلماء والفقهاء في المسائل الجزئية والفرعية تبعاً لاجتهاداتهم الخاصة، وحتماً هذا المقدار غير مقصود من الروايات، لأنه من الظواهر الواضحة في جميع العصور والأزمنة، وإنما الاختلاف المذموم هو الذي يكون ناشئاً من مداخلات الجهل أو الاختلاف الذي يؤدي إلى البراءة والتكفير المتبادل، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): ما أنتم والبراءة، يبرء بعضكم من بعض، إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض وبعضهم أكثر صلاة من بعض وبعضهم أنفذ بصراً من بعض، وهي الدرجات. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص45]
وفي كل الأحوال ينبغي على المؤمنين التنزه والترفع عن هذه المهاترات والمساجلات، لأنها أجنبية عن خط الولاء والولاية، وهي دخيلة عليهم، ولعل بعض ما يقع من هذه الصراعات - التي قد نراها هنا وهناك - هي من مصاديق الغربلة والفرز لمدّعي التشيع، فإن كل ظاهرة سلبية أو ايجابية لابد أن تعود لجذرها وأصلها، يقول تعالى: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ﴾، فإنه ليس كل من تكلم بالولاء لأهل البيت (عليهم السلام) وادّعى التشيع هو صادق في قوله ودعواه، فتأتي الابتلاءات والمحن لتصدّق الصادقين وتكذّب الكاذبين، فقد روى النعماني في كتابه الغيبة، عن عبد الله بن أبي يعفور، قلت: جعلت فداك، كم مع القائم من العرب؟ قال: شيء يسير. فقلت: والله إنّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير. فقال: لا بدّ للنّاس من أن يمحصّوا ويميّزوا ويغربلوا ويخرج من الغربال خلق كثير. [الغيبة للشيخ النعماني: ص205]
وسأل أحدهم الإمام الصادق (عليه السلام): فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون؟ فقال: فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم، واختلاف يبددهم. إنما شيعتنا من لا يهر هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفه وإن مات جوعاً. [الغيبة للشيخ النعماني: ص211]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: حسن عبد النبي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)