(٩٦٠) لماذا الإمام (عجّل الله فرجه) لا يؤهّل أصحابه الـ (٣١٣)؟
حسب الروايات أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو القائد المذخور لهذا الأمر، وتذكر الروايات أن لديه جميع الإمكانيات لتحقيق النصر والسيطرة على العالم، ولكن المفارقة العجيبة أن ظهور هذا القائد متوقف على أفراد من المجتمع وعددهم 313!
وهنا يرد سؤال: إن القائد المنتظر لماذا لا يؤهل هؤلاء الأفراد تأهيلاً مباشراً من قبله ويحقق أهدافه بغزو العالم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الفرضية في ظاهرها قد تبدو جميلة ولطيفة وفي واقعها وعمقها إذا التفت إلى لوازمها وتوابعها قد لا ترتضيها أنت، أو على الأقل سيرفضها غيرك الكثير، فإن ملايين الشيعة يتمنون أن يكونوا من ضمن أنصار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وأن يحظوا بمقام ومنزلة هؤلاء العظماء، ولكي نتعرف على أهمية دورهم وقداسة ذواتهم نقرأ بعضاً ما يصفهم به الإمام الباقر (عليه السلام) في سياق حديثه عنهم: كأني بأصحاب القائم (عليه السلام) وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلّا وهو مطيع لهم، حتى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كل شيء، حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مر بي اليوم رجل من أصحاب القائم (عليه السلام). [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص673]
فإذا تم اختيار مجموعة معينة من الناس من دون مرجحات فأنت ستحرم كل من يمتلك الاستعداد والقابلية ليكون من أنصاره (عجّل الله فرجه) من هذا الاجتباء وهذا الاصطفاء، والذي يصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض كلماته: لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون. [المستدرك على الصحيحين للحكام النيسابوري: ج4، ص554]
من جهة أخرى فإن نصرة الإمام (عجّل الله فرجه) وإدراك تلك المكانة وذلك الموقع مع ما يتطلبه من مسؤولية جسيمة ووظيفة خطيرة يتوقف عليه نجاح المشروع المهدوي، والذي هو المشروع الإلهي في الأرض وحلم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) جميعاً، لا يمكن أن يتأتى من عملية تلقين أو تأهيل أو تعليم، كالذي نراه في المعاهد والجامعات أو في مراكز التدريب أو التعليم العسكري، فالقضية لا يمكن أخذها بهذه الصورة أو بهذا التبسيط، فإن الارتقاء والتسامي لتلك الدرجة يتطلب ذوات وقلوب عركتها التجارب وصقلتها المحن وشحذتها المعاناة، فعبروا كل ذلك بنجاح وتفوق، وأثبتوا بذلك جدارتهم وكفاءتهم أمام كل الآملين والراغبين في ذلك، ويكفيك أن تعرف أن الإمام الصادق (عليه السلام) وهو من أعاظم الأئمة المعصومين (عليهم السلام) يقول عن تلك المنزلة التي سيحظى بها أنصار الإمام (عجّل الله فرجه): ولو أدركته لخدمته أيام حياتي. [الغيبة للشيخ النعماني: ص252]
ولأجل ذلك أيضاً يقول عنهم الإمام الباقر (عليه السلام): فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره. [الغيبة للشيخ النعماني: ص240]
إذن الوضع الطبيعي والمنسجم مع سنن الله تعالى وعدله يقتضي أن تجري الأمور كما أرادها تعالى وكما هي جارية الآن، ليدخل جميع الناس في هذه الدائرة، ويتم التمحيص والامتحان والتمييز لانتخاب الفئة المؤهلة لنصرة الإمام (عجّل الله فرجه) والظفر بصحبته، يقول تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ﴾، وورد كذلك في الحديث القدسي الذي رواه ابن طاووس (رحمه الله): فإنه يوم قضيت وحتمت أن أطهر الأرض ذلك اليوم من الكفر والشرك والمعاصي وأنتخب لذلك الوقت عباداً لي امتحنت قلوبهم للإيمان، وحشوتها بالورع والإخلاص واليقين والتقوى والخشوع والصدق والحلم والصبر والوقار والزهد في الدنيا والرغبة فيما عندي، يدينون بالحق وبه يعدلون، أولئك أوليائي حقا. [سعد السعود للسيد ابن طاووس: ص34]
وإذا بقيت إضافة يجدر ذكرها بعد هذا البيان فلابد من التنبيه على أن تَوفر الأنصار ليس هو علة تامة لظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، بل هو شرط من ضمن شروط كثيرة ينبغي توفرها حتى يتحقق الوعد الإلهي على يديه الكريمتين، وأهمها أن يأخذ الوعي البشري والانساني مداه وقدره ليبلغ القناعة والثقة بأن خلاصه إنما يكون على يد الإمام (عجّل الله فرجه)، وليس على يد التجارب الوضعية والأفكار الأرضية والتي ما زالت تُدخله من أزمة إلى ما هو أكبر منها، ولا معنى أن يعجل الله تعالى عليهم هذا الأمر، فإنه خلاف حكمته وعدله أن يمنع الناس الاختيار والارادة في ممارسة دورهم المقدر لهم، وحتى لا يحتج بعد ذلك أحد منهم أن التجربة البشرية بإمكانها أن ترتقي بالإنسانية إلى الكمال والسعادة التي سيصلون إليها في دولة القائم (عجّل الله فرجه)، ولذا ورد عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلّا قد ولوا على الناس، حتى لا يقول قائل: إنا لو ولينا لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل. [الغيبة للشيخ النعماني: ص283]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: أحمد : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)