(٩٩٤) كيف يثبت الاعتقاد به (عجّل الله فرجه) لمن كان إيمانه متذبذباً؟
كيف يثبت الاعتقاد بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لمن كان إيمانه متذبذباً؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الإيمان فضلاً عن كونه يشكّل في ذاته قيمة عليا يُعطي لصاحبه الأمن النفسي والاستقرار الروحي ويورثه الاطمئنان والحياة الطيبة، يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾، ويقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾، والانسان بلا شك تمر عليه حالات متنوعة وأحداث كثيرة قد تؤثر على إيمانه قوة أو ضعفاً تبعاً لطبيعة تعامله مع تلك الأحداث أو تفاعله معها فيصبح تدينه بين مدّ وجزر، ولذا ترى البعض يرتفع عندهم منسوب الإيمان في فترة معنية وتراه في فترة أخرى يصيبه الوهن والخمول، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن القلب ليكون الساعة من الليل والنهار ما فيه كفر ولا إيمان كالثوب الخلق. [الكافي الشيخ الكليني: ج2، ص420]، وهذا المعنى بطبيعة الحال لا يشكل علامة صحة أو سلامة بل يحكي عن خلل في مقومات الإيمان وأسبابه الأمر الذي يحتاج إلى معالجته وتصحيح مساره، ولا مخرج من حالة تذبذب الإيمان إلا بتحصيل اليقين، واليقين أيضاً لا يأتي من فراغ أو بلا سبب أو يحصل بمجرد الرغبة والتمني، وإنما له مناشيء ومولدات وكل شيء أنما يُطلب من أسبابه ومنابعه وأولها المعرفة والعلم ومطالعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وأن يعيشها الإنسان قلباً وروحاً كأنه هو المخاطب والمتلقي لكلام الإمام (عليه السلام)، وللأسف نجد الكثير من شبابنا وفتياتنا يفتقدون الهمة والارادة في ذلك، فكم منهم من يمتلك رصيداً في حفظ روايات أهل البيت (عليهم السلام) أو اطّلاعاً على سيرتهم، وكيف وأنى للإنسان أن ينجذب لشيء ويميل إليه وهو غير عارف به أو مطلع عليه؟
والعقل يقول (الحكم على الشيء فرع تصوره)، فان لم يكن عندي تصور مسبق وإدراك متقدم كيف يستقر القلب وتسكن النفس مع كل ما يحيط بها من شواغل وصروف، ولذلك نجد العبد الصالح سلمان المحمدي لما رأى الحسن والحسين (عليهما السلام) وهم صغار مع أمهم الزهراء البتول (عليها السلام) فيقول للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حباً. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج36، ص361]، لأنه يعلم أن الحب والمودة إنما تتأتى من المعرفة والعلم لا من الجهل والغفلة، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): إن العلم حياة القلوب ونور الأبصار من العمى وقوة الأبدان من الضعف. [الأمالي الشيخ الصدوق: ص713]
ولذلك نصيحتنا الأولى لكِ أيتها الأخت الكريمة أن تضعي لكِ برنامجاً عملياً لقراءة سيرة الأئمة (عليهم السلام) لا سيما فيما يتعلق بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وأن تسعي لحفظ أحاديثهم ورواياتهم ولو حفظتِ في الأسبوع الواحد حديثاً واحداً من الأحاديث المختصرة سيكون عندكِ أكثر من أربعين حديثاً في السنة الواحدة وهو يشكل رصيداً روحياً ومعنوياً ومعرفياً كفيلاً بأن يقطع بكِ نحو تجذر الإيمان وثباته شوطاً كبيراً فضلاً عن امتلاككِ ما يمكن أن تهدي به غيركِ من أخواتكِ المؤمنات وصديقاتك، ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): من حفظ من أحاديثنا أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة عالماً فقيهاً. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص49]
ولا يخفى أن العلم وحده والمطالعة وحدها لا تؤتي ثمارها ونتائجها ما لم يصحبها العمل والتطبيق، وإلّا لفقد العلم قيمته ولم يعد له كثير نفع وفائدة، فالمحافظة على الصلاة في أول أوقاتها، وقراءة القرآن الكريم فيما يتيسر منه، والصدقة على الفقراء والدعاء إلى الله تعالى بطلب الهداية والإيمان كله يشكل أسس وأركان الثبات على العقيدة الصحيحة ليعبر الإنسان بعد ذلك من الإيمان المتزلزل والمتذبذب إلى الإيمان المستقر والراسخ.
الاعتقاد بالقضية المهدوية جزء من عقيدتنا الكليّة والإمام الصادق (عليه السلام): إن الإيمان بعضه من بعض، فما يؤثر على تلك يؤثر على هذه وما يزيدها وينميها يزيد هذه وينميها، نعم لها خصوصيات وجهات قد تمثل لبعض المؤمنين عوائق عن التفاعل معها والثبات عليها بسبب طول الغيبة وشدة المحنة وكل ذلك يمكن أن يتجاوزه المؤمن الواعي بالإيمان بحكمة الله تعالى وارادته في امتحان الناس وتمحيص المؤمنين، فقد روى عبد الله ابن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى لا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق قلت: وكيف دعاء الغريق؟ قال: تقول: يا الله يا رحمان يا رحيم، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلت: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، فقال: إن الله (عزَّ وجل) مقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص352]
فعليكِ بالدعاء والتوسل وليكون رفيقك الدائم في الابتهال إلى الله تعالى بصدق وإخلاص، فإن الله تعالى يفيض على المؤمنين الهداية والرشاد إذا توكلوا عليه وأقروا له بالعجز، فشرط التوكل إنما هو الاعتراف بالافتقار والحاجة إليه.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: مريم الأسدي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)