(٩٩٩) ألا يولد طول انتظاره (عجّل الله فرجه) الإحباط والياس...؟
طول الانتظار للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ألا يولد الإحباط واليأس عند الفرد؟ فربما يقول قائل الإمام غائب منذ ألف عام وربما يطول غيابه لآلاف السنين فما هي جدوى انتظاري؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لا ينبغي للمؤمنين من أمثالكم أن يشعروا بالإحباط أو اليأس وإن امتدت وطالت محنة الغيبة، فإن من مقاصد الغيبة وأهدافها هو الامتحان والابتلاء، وهذه واحدة من أهم الحِكم المترتبة عليها، وإلّا فإن ادعاء الإيمان أو الصلاح والتظاهر بهما هو دأب وسيرة أكثرية الناس، ولأجل ذلك اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون هناك محطات وانعطافات شديدة يتميز فيها أهل الهدى عن غيرهم ويُمحص فيها المؤمنون، ليرتقوا في مسيرتهم التكاملية باكتشاف عيوبهم واصلاح أنفسهم، ولا يحصل هذا المعنى بطبيعة الحال في المناخ الهادئ والمستقر على وتيرة واحدة، ولذلك يحذر الله تعالى المؤمنين أن يعيشوا حالة الفشل والانتكاسة في مواقفهم وآمالهم بسبب طول غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) يقول تعالى: ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾، وقد جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن تأويل هذه الآية مخصوص بالذين يعيشون في عصر الغيبة، يقول (عليه السلام): تأويل هذه الآية جاء في أهل زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم من أهل الأزمنة، وإن الله تعالى نهى الشيعة عن الشك في حجة الله تعالى أو أن يظنوا أن الله تعالى يخلي أرضه منها طرفة عين. [الغيبة للشيخ النعماني: ص31]
لا سيما أن المشروع المهدوي هو مشروع الله تعالى في أرضه وسمائه وهو مشروع بحاجة إلى أنصار واتباع من طراز فريد، عركتهم المحن وصقلتهم الفتن وشحذتهم المعاناة فعبروا كل ذلك بنجاح وتفوق، وأثبتوا بذلك جدارتهم وكفاءتهم، ليكونوا مؤهلين لنصرة الإمام القائم (عجّل الله فرجه)، ومن نال ذلك فقد فاز وافلح في الدارين، وأي فلاح هو أعظم من توصيف الإمام الباقر (عليه السلام) لأصحاب المهدي (عجّل الله فرجه) حينما يقول عنهم: فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره. [الغيبة للشيخ النعماني: ص240]
كما أن الفكرة التي قد تطرأ علينا من عدم جدوى الانتظار إنما هي فكرة تبتني على فهم غير صحيح لأمرين:
الأول منهما أن الانتظار وعدم اليأس له قيمة في ذاته ومضمونه لأنه يحكي عن إيمان عظيم وعقيدة صلبة لا تزلزلها المحن والآلام وهي الميزة التي يختص بها أولياء الله تعالى دون غيرهم، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): أقرب ما يكون العباد من الله جل ذكره وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة الله (عزَّ وجل) ولم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة الله جل ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقعوا الفرج صباحاً ومساءً، فإن أشد ما يكون غضب الله على أعدائه إذا افتقدوا حجته ولم يظهر لهم، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما غيب حجته عنهم طرفه عين. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص333]
وأما الأمر الثاني: فأن فكرة أدراك الإمام (عجّل الله فرجه) ودولته المباركة للمعاصرين له من الأحياء فقط هي فكرة خاطئة أيضاً وتنفيها مئات الأحاديث والروايات التي تحدثت عن الرجعة وكيف أن المؤمن سيلقى البشارة بالظهور المقدس ويُتاح له الالتحاق برفقة الإمام (عجّل الله فرجه) ونصرته ولو كان في عالم البرزخ، فقد ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حديثه لسلمان الفارسي (رضي الله عنه) في سياق كلامه عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): يا سلمان، إنك مدركه، ومن كان مثلك ومن توالاه بحقيقة المعرفة. قال سلمان: فشكرت الله كثيراً، ثم قلت: يا رسول الله، وإني مؤجل إلى عهده؟ فقال: يا سلمان اقرأ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وبَنِينَ وجَعَلْناكُمْ أكثر نَفِيراً. قال سلمان: فاشتد بكائي وشوقي، ثم قلت: يا رسول الله، بعهد منك؟ فقال: أي والله الذي أرسلني بالحق. [دلائل الإمامة للطبري الشيعي: ص449]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: أبو محمد : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)