ارسل سؤالك المهدوي:
المسار
عصر الغيبة

(١٠١٠) ما ذكر بالرواية ما فائدته بالنسبة للمجتمع؟

ورد هذا النص في حقل التوقيعات المهدوية في موقعكم الكريم:
معجزة: يؤخذ بشعرها وتخرج من الدار
أبي، عن سعد، عن أبي علي النيلي قال: جاءني أبو جعفر فمضى بي إلى العباسية وأدخلني إلى خربة وأخرج كتابا فقرأه على فاذا فيه شرح جميع ما حدث على الدار، وفيه أن فلانة يعني أم عبد الله يؤخذ بشعرها وتخرج من الدار ويحدر بها إلى بغداد وتقعد بين يدي السلطان وأشياء مما يحدث ثم قال لي: احفظ ثم مزق الكتاب وذلك من قبل أن يحدث ما حدث بمدة.
سؤالي هو:
1) من هي أم عبد الله وما هي قصتها ولماذا وردت في التوقيعات المهدوية هل يمكن معرفة ذلك؟
2) المعجزة هي اختراع الكهرباء المعجزة هو الهاتف النقال، وهذه المعجزات خدمة البشرية خدمة عظيمة وما ذكر بالرواية ما فائدته بالنسبة للمجتمع؟


بسم الله الرحمن الرحيم
لا تقاس الأمور هكذا يا أخانا العزيز فإن سؤالكم شبيه بمن يسأل أيهما أفضل لحياة الإنسان كتاب في الأدب والأخلاق ينشر العدل والفضيلة في المجتمع أو كتاب يعلمنا كيف نزرع أو نطبخ الطعام؟!
وكما أن لكل موضوع أهميته وقيمته تبعاً للأثر الذي يتركه في حياتنا، فإن لكل منهما أيضاً مجاله وميدانه، مع إيماننا أن الإنسان وإن استطاع أن يكتفي ويعيش بالخبز والماء ولو على مضض لكنه لا يستطيع أن يعيش كإنسان يوماً واحداً إذا افتقد عناصر القيم والمُثُل الأخلاقية أو دبت الفوضى في حياته والاضطراب، فأي كهرباء يا عزيزنا الغالي وأي نقالٍ وأيُ هناء بعد ذلك إذا ابتُليت لا سمح الله بزوجة خائنة أو والدٍ مضيعٍ لأولاده أو أبناء عاقين لأبيهم أو مجتمع يعمه الفساد والانحراف فلا تعود تأمن على نفسك أو عيالك، ولذلك كان يقول فولتير: (لو لم يكن الإله موجوداً لوجب علينا أن نخترعه) لأن وجود الإله الكامل بكل بساطة هو الذي يوفر المعنى القيمي لكل شيء حسن فضلاً عن توفيره لجهة الردع والزجر، حتى لا يتحول كل شيء سيء إلى مباح وجائز، ولأجل ذلك قيل أن الحكمة أن توضع الأمور في نصابها وإنما تختل المقارنة عندنا إذا قصرنا النظر على أهمية إشباع الحاجات المادية وغفلنا عن قيمة حاجاتنا المعنوية والتي بها يفترق الإنسان عن عالم الحيوان، وبذلك فقط يصبح لإنسانيته معنى نبيل وسامي.
ومن الواضح أن سؤالكم يستبطن استفهاماً يتفرع عن جدلية (ماذا نتوقع من الدين) وماذا يقدمه لنا وما الشيء الذي ننتظره منه؟ ولعل فيما تقدم من إيجاز كفيل ببعض الإجابة التي تكتمل إذا علمنا أن الدين وما جاء به الأنبياء (عليهم السلام) ينسجم مع رؤية فلسفية عميقة تقوم على أن حياة الإنسان تتجاوز عالم الدنيا المحدود إلى عالم الخلود والبقاء، ففرق كبير بين من يسعى لتقديم خدمة مدفوعةٍ بأغلى الأثمان لحياة محدودة قصيرة كخدمة (الكهرباء والنقال) وبين من يقدم لك خدمة مجانية بل ويدفع حياته مضحياً بلا ثمن لتعيش الكمال والسعادة في عالم الخلود، فالذين صنعوا الكهرباء واخترعوا الموبايل لم يصنعوا ذلك لسواد عيون الإنسانية أو للارتقاء بالكمال الإنساني، وإنما لتحصيل الربح والمال، ونحن في واقع الأمر لا نلومهم على ذلك فإن الحياة الاقتصادية المادية إنما تتطور بهذا الشكل وليس بغيره، والدين لا يتعارض أو يتنافر مع هذا المقصد بل يشجعك أنت وغيرك أن تنحو نحوهم وتصنع كما صنعوا، فإن في ذلك فائدة ومنفعة لك مادية أولاً وللناس ثانيةً في تسهيل وتيسير أمورهم، بطبيعة الحال قد يتساءل البعض ويستفسر من دون أن يقع في مصيدة المقارنات الخاطئة عن فكرة تتضمن إشكالية عدم تقديم الأنبياء (عليهم السلام) ما قدمه هؤلاء المخترعون، والجواب عن ذلك باختصار أن تطور الحياة المدنية والحضارة الإنسانية رهين بالتراكم العلمي البشري وتوفر أدواته المساعدة، ومن المحال أن تتحقق هذه القفزة المدنية على نحو الطفرة والاختزال وكأن تلك الاختراعات تمت بضغطة زر أو في لحظة واحدة من دون أن تلحظ الاستعداد الحضاري للمسيرة الإنسانية والتي تراكمت على مدى آلاف السنين حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في المئة سنة الأخيرة، فإن الذي صنع الباخرة العملاقة إنما هو مدين لمن صنع السفينة قبله بآلاف السنين، والذي صنع السفينة هو مدين لمن صنع الزورق الصغير وهذا الأخير مدين لمن اكتشف أن جذع الشجرة يطفو على الماء وهكذا في كل الاختراعات التي توصل إليها الإنسان، فلا يمكن أن يأتي أحد من الناس ولو كان أعظم عباقرة البشر ليختزل كل هذه المراحل الحضارية التي تحتاج قروناً طويلة ليختصرها في مرحلة زمنية واحدة، فالكهرباء التي سهّلت أمور الناس هي بحاجة إلى وجود آلاف المهندسين والخبراء، وهؤلاء المهندسون لكي تحصل عليهم أنت بحاجة لآلاف المدارس والجامعات العلمية، ولكي يكون عندك مدارس وجامعات أنت بحاجة لآلاف الأساتذة في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والهندسة وغير ذلك من التخصصات، فضلاً عن ضرورة تواجد الشركات العملاقة المنفذة والمصانع الكبيرة وكل الأدوات الدخيلة في كل ذلك.
وهب أن نبياً من الأنبياء أو إماماً من الأئمة أخبر أمته وأرشدهم لوجود الكهرباء وحقيقتها كما يرشح ذلك فعلاً في بعض أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) حينما كان يقول لأصحابه: (إن النار كامنة في الأجسام) وماذا بعد ذلك، فهل يأتي بالملائكة ليتولوا أمر توليدها وانتاجها بعد فقدانه المقوم البشري وهو الجزء الأهم في معادلة صناعتها ليبقى الإنسان كالطفل المدلل معتمداً عليهم في حياته أو أن الأولى أن يتطوّر الإنسان شيئاً فشيئاً حتى يبلغ مراحل تطوره بشكل طبيعي لا يتعارض مع السنن التاريخية والاجتماعية وليحقق الهدف من خلقته ووجوده بإرادته وجهده، كما أن التطور المدني بحاجة ماسة أن يترافق معه تطور حضاري ثقافي وأخلاقي يتناسب معه ويضبطه من الانفلات وإلّا فإن البشرية بدون ذلك ستكون على شفا حفرة من هلاكها وانقراضها ولذلك رأينا أن الإنسان لم يمض على صناعته القنبلة الذرية سنة واحدة حتى استعملها ضد أبناء جنسه ونوعه لقهرهم والتغلب عليهم وفي كل يوم نجد أن هناك تهديداً وتهديداً متبادل يمكن أن يأتي على الوجود الانساني بأسره لولا أن الإنسان ما زال يحمل في أعماق ذاته بعض ما زرعه الأنبياء والرسل فيه من هداية ومواعظ.
وبهذا البيان نكون أجبنا عن سؤالك الثاني وقدمناه على السؤال الأول لأهميته ومحوريته وإن كان من إضافة يجدر ذكرها هي أن مصطلح المعجزة إنما هو عبارة عن الظاهرة أو الحادثة العابرة للأسباب الطبيعية والمألوفة لدى الناس للتدليل على وجود حقيقة غيبية تقف وراء ذلك وليس هدفها بالضرورة أن تقدم فائدة تتجاوز هذا المضمون وراء الأسباب المتعارفة والتي يتوسل بها الناس لتحقيق حاجاتهم، وإذا اتضح هذا المعنى من المصطلح لن نتكلف بعد ذلك معرفة من هو أليق بمعناها وحقيقتها فقد تكون بعض الحقائق التي نشاهدها يومياً كشروق الشمس في موعدها المحدد هي أعظم في الفائدة والمنفعة لحياة الإنسان من الكثير من مصاديق الاعجاز ومفرداته، ولذلك كانت المعجزة استثناءً وخروجاً عن النظام الطبيعي لأن الهدف منها إنما هو غرض يتقيد بظرفه الطارئ لا أن تكون بديلاً عن تلك القوانين مع أن الناس لو كانوا جميعاً بمستوى عالٍ في الوعي والنضج المعرفي لما كان هناك من حيث الأساس حاجة لوجودها.
وأما سؤالكم عن (أم عبد الله) ومن تكون فلم توضح الرواية ذلك وإن كان من الواضح أنها إحدى النساء التي كانت في بيت الإمام (عليه السلام) وأخذت عنوة من قبل السلطات الظالمة في مرحلة بحثهم وتفتيشهم عنه (عجّل الله فرجه).
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

عصر الغيبة : ٢٠٢١/٠٤/٢٨ : ٢.٣ K : ٠
: آيات النواف : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.