(١٠١٨) كيف تفسّر عبارة ﴿يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾؟
الآية القرآنية ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾ والتي وردت في أكثر من دعاء كدعاء العهد مثلاً وغيره، والتي رواها كبار علمائنا وهم الآن متوفون (رحمهم الله).
فكيف نقرأ عبارة ﴿يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾ مع العلم كل من قالها من سالف الأزمنة لم يروه إلى حين وفاتهم فكيف تفسّر؟
بسم الله الرحمن الرحيم
القرب والبعد وصفان نسبيان توصف بهما الأشياء والحوادث، فقد يكون وصف القرب والبعد متعلق بالأماكن والبلدان، فنقول: النجف الأشرف قريب من كربلاء المقدسة وبعيد عن مدينة البصرة، وقد توصف بهما الأزمنة والأوقات، فنقول مثلاً: شهر شعبان قريب من شهر رمضان المبارك وبعيد عن شهر محرم الحرام، وقد يتعلق الوصف بالقرب والبعد من جهة إمكان وقوع الحدث أو استحالة وقوعه، فنقول مثلاً: إن الطالب المجد في دروسه من القريب أن ينجح ومن البعيد أن يفشل.
والآية الكريمة ليست بصدد الحديث عن القرب والبعد الزماني ولا المكاني، بل من جهة إمكان تحققه أو عدم إمكان تحققه، فالكفار والمشركون كانوا يعتقدون أن القيامة والآخرة من البعيد أن تقع، ولذلك استبعدوا حصولها وأنكروا وقوعها، ولذا يحكي القرآن الكريم قولهم ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ أي أنهم كانوا يعتقدون - لضعف عقولهم - استحالة وقوع القيامة أو أن يحاسبهم الله تعالى على أفعالهم، ولم تكن الآية الكريمة أو هذه الأدعية بصدد التوقيت الزماني وقرب ظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، وإنما ذلك مأثور في علمه تعالى لا يعلم به أحد سواه، ولأجل ذلك حينما يتكلم القرآن الكريم عن التوقيت الزماني وفترة وقوع ذلك الحدث ينفي علم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بوقته المؤقت له، يقول تعالى: ﴿فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾، أي: لا أعلم أهو قريب أم بعيد زمانياً، وإن كان أمراً تحققه وحصوله قريب قطعاً لا استحالة ولا استبعاد في حصوله.
وبعد هذا البيان سيكون من الواضح أن الإشكال السابق يبتني على تفسير القُرب والبعد بالمعنى الزماني لهما، وليس الأمر كذلك، بل هذه الأدعية ساكتة عن هذه الجهة، فقد يكون ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) عليه قريباً زمانياً أو يكون بعيداً، وإنما على الإنسان المؤمن أن يعيش حالة الأمل والانتظار والصبر والمرابطة، وألّا يُصاب باليأس والقنوط ليتخلى عن مسؤولياته وتكاليفه الشرعية، فإن واحدة من مقاصد الغيبة وأهدافها هو الامتحان بطول غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) وتأخّر ظهوره، كما أشارت لذلك الروايات الشريفة، وإذا أخترمه الموت وغادر الدنيا من دون أن يحظى بنصرة الإمام (عجّل الله فرجه) أو ملاقاته فلا يعني أنه يُحرم من ذلك، فإن التوفيق لنصرة الإمام (عجّل الله فرجه) والالتحاق بركب أنصاره لن يكون مقصوراً على الأحياء الذي يعاصرون دولته (عجّل الله فرجه) فقط، لما دلت عليه مئات الأحاديث والروايات من أن المؤمن سيلقى البشارة بالظهور المقدس ويُتاح له الالتحاق برفقة الإمام (عجّل الله فرجه) ونصرته ولو كان في عالم البرزخ، فقد ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حديثه لسلمان الفارسي (رضي الله عنه) في سياق كلامه عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): يا سلمان، إنك مدركه، ومن كان مثلك ومن توالاه بحقيقة المعرفة. قال سلمان: فشكرت الله كثيراً، ثم قلت: يا رسول الله، وإني مؤجل إلى عهده؟ فقال: يا سلمان اقرأ: ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وبَنِينَ وجَعَلْناكُمْ أكثر نَفِيراً﴾ قال سلمان: فاشتد بكائي وشوقي، ثم قلت: يا رسول الله، بعهد منك؟ فقال: أي والله الذي أرسلني بالحق. [دلائل الإمامة للطبري الشيعي: ص449]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: جليل : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)