ارسل سؤالك المهدوي:
المسار
عصر الغيبة

(١٠٤٦) لماذا يخاف (عجّل الله فرجه) من القتل ولديه الولاية التكوينية؟

لماذا يخاف الإمام (عجّل الله فرجه) على نفسه من القتل مع أن لديه الولاية التكوينية وهي تستطيع حمايته، فنحن نرى أن بعض رؤساء العالم محميين بشكل جيد والإمام (عجّل الله فرجه) يستطيع حماية نفسه ضد أعتى القوى في العالم، فهل هو أقوى منهم أم هم أقوى منه (عجّل الله فرجه)؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الكثير يفهم الولاية التكوينية فهماً خاطئاً، فيتصور أنها بمعنى القوة الخارقة التي يمتلكها الإمام المعصوم (عليه السلام) لغرض قهر أعدائه وخصومه، والحال أن معنى الولاية التكوينية كمصطلح عقائدي له أبعاد أعمق بكثير من هذه الفكرة السطحية، وهي ترتبط بدورين مهمين من أدوار الإمام المعصوم (عليه السلام)
الأول منهما: كون الإمام واسطة الفيض بمعنى أن الممكنات والمخلوقات لا تستطيع أخذ العطاء مباشرة من الله تعالى لعدم توفرها على الاستعداد والكمال الذي يؤهلها لذلك، سواء في الجانب المعنوي أو المادي، وكمثال للتقريب على ذلك، فإن الإنسان بحاجة ماسة لوجود الشمس وحياته متوقفة على وجودها وبدونها تنتهي الحياة على الأرض، ولكن الإنسان يعجز عن الاستفادة من الشمس بشكل مباشر لعدم تحمل جسده ضوؤها ونور أشعتها لفترة طويلة فيحتاج إلى وجود النبات الذي يستطيع أن يحول الطاقة الشمسية إلى غذاء بواسطة ما يسمى علمياً بعملية التركيب الضوئي، ليستفيد منه الإنسان بعد ذلك، ومن خلال هذا المثال التقريبي يمكن أن نفهم أن وجود العالم متوقف على وجود الإمام المعصوم (عجّل الله فرجه) الذي يمتلك الولاية التكوينية التي تؤهله على تلقي الفيوضات الإلهية وإيصالها إلى جميع أجزاء هذا العالم، وهذا معنى ما ورد مستفيضاً أنه لولا وجود الإمام لساخت الأرض بأهلها، فقد نقل الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: أتبقي الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام ساعة لساخت. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص201]
وورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): نحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة، ويخرج بركات الأرض ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها. [الأمالي للشيخ الصدوق: ص253]
الثاني: أن الولاية التكوينية مرتبطة بطبيعة وظيفة الهداية التي يمارسها الإمام المعصوم (عليه السلام) مع المؤمنين والارتقاء بهم في مسيرتهم التكاملية، فالشعور بالإيمان والهداية القلبية التي يستشعرها المؤمن من الله تعالى لا يمكن أن تصل إليه إلّا من خلال الولاية التكوينية للإمام المعصوم (عليه السلام)، ولذا ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): والله يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص194]
وبطبيعة الحال فإن هذه الولاية التكوينية للأئمة (عليهم السلام) إنما هي بإذن الله تعالى ومنسجمة مع حكمته وارادته تعالى ولا تختلف أو تتخلف عنها، وليست هي سلاح يدافع بها الإمام (عجّل الله فرجه) عن نفسه أو يقهر بها أعداءه، وإنما وظيفتها الأساس حفظ وجود العالم وهداية الناس وارشادهم، ولا يتم ذلك إلّا بأن يكونوا مختارين أحراراً يملكون قرار أنفسهم وإلّا لأصبحوا كالآلآت الصماء والحجارة، فإن الأئمة (عليهم السلام) لو استعملوا قدرتهم الاعجازية وقهروا أعداءهم لآمن الناس جميعاً بهم بشكل قسري وجبري، وبالتالي يفقد الناس المصداقية وواقع الإيمان الذي لا بد أن يصدر من قناعاتهم الذاتية، وهذا المعنى لم يفعله حتى الباري (عزَّ وجل) مع أن له الولاية المطلقة على جميع خلقه وليس ذلك إلّا لجهة عدم انسجام هداية الإنسان مع الإجبار والقهر يقول تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾، ولا يخفى أن الله تعالى لم يأذن تكويناً أن يؤمن الإنسان بغير اختياره وإرادته كما نص على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، يُضاف إلى ذلك أن القضاء على كل عدو أو منحرف عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) هو عبارة أخرى عن القضاء التام على جميع ذراريهم ونسلهم ممن يُرجى لهم الهداية والإيمان، وفي ذلك حرمان لفئة كبيرة من النجاة والسعادة، ولذلك روى الصدوق في علل الشرائع أن أحد أصحابه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) لماذا لم يقاتل أمير المؤمنين (عليه السلام) من غصبوا الخلافة منه فقال (عليه السلام): لآية في كتاب الله (عزَّ وجل): ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ قال: قلت: وما يعني بتزايلهم؟ قال: ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين، وكذلك القائم (عليه السلام) لن يظهر أبداً حتى تخرج ودائع الله تعالى فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله فقتلهم. [علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج1، ص147]
علماً أن هذا المعنى كمضمون عقائدي والذي نقوله هنا هو مروي في جميع مصادر المسلمين ولا ننفرد به دون غيرنا، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن ملكاً من الملائكة جاء إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) واستأذنه أن يقتل جميع أعدائه ولكنَّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) رفض ذلك فقد جاء في الحديث: ناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد ان الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت أن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين [الأخشبين جبل أبي قبيس والجبل الذي يقابله] فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بل أرجو ان يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً. [صحيح البخاري: ج4، ص83]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

عصر الغيبة : ٢٠٢١/٠٧/٠٢ : ٢.٣ K : ٠
: عبد الأمير البلداوي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.