ارسل سؤالك المهدوي:
المسار
عصر الغيبة

(١٠٧٦) كيف نوفق بين (نفر يسير) وبين (أكثر من ١٠ آلاف)؟

ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن لصاحب هذا الأمر غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، ويقول بعضهم: قتل، ويقول بعضهم: ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلّا نفر يسير.
كيف نوفق بين (نفر يسير) وبين الجيوش التي هي أكثر من 10 آلاف في بعض الروايات التي تكون من جيوش الإمام (عجّل الله فرجه) فضلاً عن الناس التي تكون معه والتي هي ليست من الجيوش، فكل هذا العدد يعبر عنه بنفر يسير؟!


بسم الله الرحمن الرحيم
هناك عدة احتمالات يمكن ان تصح لتفسير معنى بقاء (نفر يسير) من أصحاب الإمام (عجّل الله فرجه) عليه على أمره:
الاحتمال الأول: إن المقصود من وصف (اليسير) هو التوصيف النسبي لا الحقيقي، أي بمعنى أن الذين يبقون على التشيع قياساً بغير الشيعة من بقية الناس على طول امتداد زمن الغيبة الكبرى سيكون عددهم يسيراً، وإذا كان التوصيف نسبياً فلا يعني بالضرورة أنهم قلة في أنفسهم، فلو نسبنا الشيعة إلى أعداد الناس بأجيالهم المختلفة التي مرت في زمن الغيبة الكبرى فمن الطبيعي أن يكون عددهم يسيراً، فأنه يصح توصيف العشرة قياساً بالمئة بأنها عدد يسير، وكذلك يصح توصيف المليار بأنه عدد يسير قياساً بالعشرة مليارات، علماً أن الناس الذي عاشوا وماتوا في زمن الغيبة الكبرى تفوق أعدادهم عشرات المليارات حتماً، وهو احتمال ضعيف.
الاحتمال الثاني: أن يكون المقصود هو التوصيف النسبي أيضاً ولكن المقايسة هنا بين أنصار الإمام (عجّل الله فرجه) وبين جميع الناس المعاصرين لظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، والعشرة آلاف مؤمن قياساً بملايين الناس حينذاك يصح وصفهم بالنفر اليسير، وهو احتمال ضعيف أيضاً.
الاحتمال الثالث: إن العبارة ليست بصدد الحديث عن عدد شيعة الإمام (عجّل الله فرجه) وأنصاره عموماً، بل المقصود من عبارة (لا يبقى على أمره) أي إن الإمام (عجّل الله فرجه) هو الذي لا يُبقي على أمر حركته والوظائف السرية التي يقوم بها في زمن الغيبة الكبرى إلّا عدداً قليلاً ويسيراً من شيعته، والذي يؤيد هذا المعنى أن المستثنى (النفر اليسير) تم استثناؤه من نفس أصحاب الإمام (عجّل الله فرجه).
فيكون محصل المعنى أن الإمام (عجّل الله فرجه) سوف يُبقي مجموعة خاصة من مجموع أصحابه وشيعته مطلعين على أمره الخاص دون غيرهم، وعليه يكون معنى الرواية السابقة موافقاً لما رواه النعماني في كتابه الغيبة عن إسحاق بن عمار الصيرفي والتي جاء فيها عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: للقائم غيبتان: إحداهما طويلة، والأخرى قصيرة، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصة مواليه في دينه. [الغيبة للشيخ النعماني: ص175]
ويؤيد هذا المعنى أيضاً ما روي أن الإمام (عجّل الله فرجه) ينتخب من كل جيل ثلاثين رجلاً من الأولياء ليكونوا معه في غيبته ويأنسون وحشته وعزلته، فقد روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولابد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة. [الغيبة للشيخ النعماني: ص194]
الاحتمال الرابع: إن الذين يصمدون في زمن الغيبة الكبرى وينجحون في عبور الفتن والامتحانات العسيرة من المنسوبين للتشيع من دون أن يتلبسوا بالشبه والارتياب ويختصون بالثبات ووضوح الرؤية وعدم التلبس بأي انحرافات جانبية قلت أو كثرت إنما هم القلة القليلة من أهل الاخلاص والوعي العقائدي ممن لا غاية لهم وراء أمر أهل البيت (عليهم السلام) وهؤلاء بطبيعة الحال هم خواص الشيعة وخاصتهم، وقد ورد في الأخبار أن الاختلافات والفتن ستجد طريقها إلى الشيعة قبل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) حتى تُرفع اثنا عشر راية مشتبهة، فقد روى المفضل عن الإمام الصادق (عليه السلام): ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أي من أي، قال: فبكيت، فقال: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقلت: جعلت فداك كيف لا أبكي وأنت تقول: اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أي من أي!؟ قال: وفي مجلسه كوة تدخل فيها الشمس فقال: أبينة هذه؟ فقلت: نعم، قال: أمرنا أبين من هذ الشمس. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص339]
وكذلك ما رواه مالك بن ضمرة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: يا مالك ابن ضمرة! كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا، وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض، فقلت: يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير؟ قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائما فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله فيقتلهم ثم يجمعهم الله على أمر واحد. [الغيبة للشيخ النعماني: ص214]
وعلى كل حال فإن الذي بشرت به الروايات أن هذا الاختلاف والاضطراب سوف ينتهي بعد ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وببركة وجوده المقدس لاسيما مع ظهور المعجزات والكرامات والعلامات والآيات السماوية يعود الكثير من الناس إلى طريق الصواب والاستقامة بعد الضياع والتيه ليكونوا عونا للإمام (عجّل الله فرجه) ونصرته توفيقاً وتأييداً من الله تعالى له (ارواحنا له الفداء)، وقد ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام) في سياق حديثه عن عصر الظهور لابن بكير قوله: لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلّا وحد الله قلت له: جعلت فداك إن الخلق أكثر من ذلك؟ فقال: إن الله إذا أراد أمراً قلل الكثير وكثر القليل. [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج1، ص184]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

عصر الغيبة : ٢٠٢١/٠٨/٠٧ : ٢.٤ K : ٠
: محمد سالم : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.