ارسل سؤالك المهدوي:
المسار
عصر الغيبة

(١٠٨٢) ليس الآن يظهر الإمام الدنيا مازالت بخير؟!

ماذا يكون جوابكم لبعض الذين يقولون: ليس الآن يظهر الإمام (عجّل الله فرجه) الدنيا مازالت بخير، لا بزمننا ولا بزمن أولادنا ولا أولاد أولادنا، مازالت السنين والدنيا بخير؟
وهؤلاء كثيرون مع الأسف لا نعلم هكذا يتكلمون من خوفهم من أحداث الظهور أم شيء آخر؟
حيث أغلب الأحيان يبثون طاقة سلبية من خلال حديثهم هذا للمنتظرين المتشوقين جداً


بسم الله الرحمن الرحيم
اليأس والاحباط مما لا ينبغي أن يتصف به المؤمن لاسيما فيما يرتبط بالعقيدة المهدوية، ولابد أن يكون الأمل هو الحاضر الفاعل في نفوسنا، ولا يُصاب المرء بنكبة أو آفة هي أشد عليه من فقدانه حالة الأمل والرجاء، ومما لا يختلف عليه اثنان إن حياة النفس الإنسانية ونشاطها يتناسب طردياً مع المقدار الذي يمتلكه الإنسان من تلك الصفة، وكلما زاد الأمل زادت معه فعالية الإنسان وكفاءته والعكس بالعكس، فكلما ضعف ونقص أوشك الإنسان على الانهيار والسقوط، وما حالات الكبت الروحي والفشل وحتى الانتحار إلّا بسبب فقدان بوصلة الهدف والذي يغذيه انحسار الأمل أو انعدامه، وهو بعد هذا وذاك من أعظم النعم الإلهية التي لولاها لانقرض النوع البشري ولم يعمر جيلاً واحداً، روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الأمل رحمة لأمتي، ولولا الأمل ما رضعت والدة ولدها ولا غرس غارس شجراً. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج74، ص173]
ولأجل ذلك حثت الروايات والأحاديث الشريفة على عنوان (انتظار الفرج) واعتبرته أعظم العبادة وأفضلها، ولا يمكن بأي حال أن يتحقق معنى الانتظار بمعزل عن الأمل بقرب الظهور، فأن الذي قد يئس من أمر ما لا معنى أن يُقال في حقه إنه بصدد انتظاره أو مترقب لحصوله، ولأجل ذلك ربط القرآن الكريم بين الكفّار وبين يأسهم من النجاة في الآخرة لا لشيء إلّا لكونهم فاقدين لصفة الترقب والانتظار ليوم القيامة، يقول تعالى: ﴿يَأَيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَوَلّوْا قَوْماً غَضِب اللّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئسوا مِنَ الآخرة كَمَا يَئس الْكُفّارُ مِنْ أَصحَبِ الْقُبُورِ﴾، فانتظار الفرج إنما هو ثمرة الأمل ونتيجته الطبيعية، بل هو حقيقة معناه ودلالة مفهومه، يقول ابن منظور في لسان العرب: نَظَرتُه وانْتَظَرْتُه إذا ارْتَقَبْتَ حضورَه. [لسان العرب لابن منظور: ج5، ص219]، ومن هنا نفهم لماذا جاءت الروايات والأحاديث لتؤكد أن نفس الانتظار للفرج هو فرج في نفسه وتحقيق لمضمونه، فقد روي عن الإمام السجاد (عليه السلام): انتظار الفرج من أعظم الفرج. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص320]، وقد سأل محمد بن الفضيل الإمام الرضا (عليه السلام) عن الفرج فقال: أليس انتظار الفرج من الفرج إن الله (عزَّ وجل) يقول: فانتظروا إني معكم من المنتظرين. [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج2، ص138]
وفي ضمن هذا السياق يمكن أن نفهم الروايات التي ربطت بين انتظار الفرج وعدم اليأس من روح الله تعالى واعتبرت أحدهما نقيض الآخر، فقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام): انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فان أحب الأعمال إلى الله (عزَّ وجل) انتظار الفرج ما دام عليه العبد المؤمن. [الخصال للشيخ الصدوق: ص616]
بطبيعة الحال الذين يقولون بتأخر زمن الظهور أو أن أوانه لم يحن بعدُ قد لا يعني ذلك بالضرورة أنهم يذهبون إلى ذلك بدافع اليأس أو الاحباط، بل قد يكون قراءة منهم تبتني على اجتهاد يحاول أن يستكشف التوقيت الإجمالي لعصر الظهور وهذا الاجتهاد لا يخلو إما أن يكون معتمداً على الواقع الخارجي وقراءة أحداثه والتي لا تساعد بنظرهم على التفاؤل بقرب ظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، أو أن يكون مبنياً على ما ورد في الأخبار والروايات التي أكّدت على طول فترة الغيبة وتطاول أيامها، ولا يخلو كلا الأمرين من تأمل ونقاش ينتهي بنا حتما إلى عدم صوابية هذه الفكرة وهذا التصور لعدة أسباب:
أولاً: يمكن القول أن أصل الفكرة السابقة هي خاطئة في نفسها وغير سليمة لأنها من مصاديق التوقيت المنهي عنه، وكونه توقيتاً اجمالياً لا يمنعنا من رفضه أيضاً بعد أن كان يعتمد على الاستحسانات الظنية التي تحاول أن تستشرف وقت وزمن ظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، والذي يظهر لنا من قراءة الروايات والأحاديث النهي المؤكد من أي محاولة تنحو هذا المنحى بعيداً عن العلامات الحتمية المتاخمة لظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، فقد روى محمد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: يا محمد، من أخبرك عنّا توقيتاً فلا تهابن أنْ تكذّبه، فإنّا لا نوقت لأحد وقتاً. [الغيبة للشيخ النعماني: ص289]، وهذا التوقيت كما هو واضح لا يختص بلحاظه التفصيلي كمن يضع زمنا محدداً باليوم والشهر والسنة، بل يشمل ذلك النهي أيضاً التوقيت الاجمالي الذي يحاول جدولة عصر الظهور بحسب السنين أو الأجيال أو القرون، ولأجل ذلك امتنع الأئمة (عليهم السلام) من التوقيت التفصيلي منه والاجمالي، وقد روى زيد العمي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قوله: إن أمر القائم حتم من الله. قلت: جعلت فداك، فيكون في هذه السنة؟ قال: ما شاء الله. قلت: يكون في التي يليها؟ قال: يفعل الله ما يشاء. [الغيبة للشيخ النعماني: ص264]
وإنما الذي اعتمده الأئمة (عليهم السلام) في أحاديثهم هو الربط بين ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وبعض الأحداث التي تُشكل علامات حتمية على ذلك، مع تأكيدهم على أن تلك الأحداث سوف تحصل بوتيرة متسارعة يتبع بعضها بعضا، ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً. [قرب الإسناد لعبد الله بن جعفر الحميري: ص374]
ثانياً: أيضاً لا يمكن الاعتماد على قراءة الأحداث وطبيعة الظروف وموازين القوى واعتبارها معيارا يدل على عدم قرب الظهور المقدس، ضرورة أن المشيئة الإلهية حاضرة وفاعلة ولها الهيمنة على كل مجريات الأمور ودونك أن ترى أن فيروسا صغيراً لا يرى بالعين المجردة كيف استطاع أن يوقف حركة المجتمع الانساني في ليلة وضحاها، وهكذا هي المشيئة الإلهية حينما تريد أن تحكم قرارتها وارادتها فتأتي من حيث لا يترقب الناس أو يتوقعوا يقول تعالى: ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾، ويقول تعالى: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾، ونفس هذا المعنى سوف يكون الصفة التي يتصف بها ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وقد ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سياق حديثه عن ولده المهدي (عجّل الله فرجه): إنما مثله كمثل الساعة ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلّا بغتة. [كفاية الأثر للخزاز القمي: ص169]، وجاء عن الإمام الحسين (عليه السلام) ما يصب في نفس هذا المعنى: قائمنا أهل البيت، يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص317]
بطبيعة الحال فإن ما تقدم في هذه النقطة الثانية قد لا يعالج أصل الاشكالية المطروحة في محور السؤال باعتبار أن تعليل الاستبعاد كان يعتمد على فكرة خيرية هذا الزمان وصلاحه، ولا يخفى أن جذر هذا القول ينطلق من كون (امتلاء الأرض ظلماً وجوراً) شرطاً لظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، وقد ناقشنا في جواب سابق يمكنكم الاطلاع عليها من خلال الرابط التالي تفضلوا:
https://m-mahdi.net/main/questions-1005
خطأ هذه الفكرة من أساسها وقلنا هناك أن الروايات لم تأخذ انتشار الظلم والفساد كشرط من شروط الظهور، وإنما ظاهرة الفساد هي نتيجة غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) وعدم طاعته من قبل الناس، وهذه الظاهرة تبقى ذات توصيف نسبي ولا يعني هذا التوصيف على كل حال بمعنى الانعدام المطلق لكل قيم الحق والتوحيد والعدل على وجه الأرض قبل عصر الظهور، وإنما المقصود بهذه الكلمة بيان ما سيقوم به الإمام (عجّل الله فرجه) من العدل مقايسة بالظلم والجور الذي تراكم على طول خط التاريخ البشري وإلّا فإن قتل الأنبياء السابقين والأئمة المعصومين (عليهم السلام) كالإمام الحسين (عليه السلام) واغتصاب الخلافة من أهل البيت (عليهم السلام) في الأزمنة الغابرة هو أشد أنواع الظلم والفساد التي حصلت في الأرض.
ثالثاً: مع أن الروايات أشارت في عدة مواضع إلى طول فترة الغيبة وأنها تمتد حتى يقول القائل (هلك بأي واد سلك) فأنها في ذات الوقت أكّدت على تأسيس ثقافة الانتظار والترقب المستمر لقرب ظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، بل أن توقع الظهور والتبشير بالفرج العاجل هو دأب علمائنا وسيرتهم التي كانوا عليها في مختلف العصور تبعاً لما حفلت به الأدعية والروايات المعنية بالقضية المهدوية، فنحن نقرأ في دعاء العهد المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): اللهم اكشف هذه الغمة عن الأمة بحضوره، وعجل لنا ظهوره إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج53، ص96]، وهذا الدعاء وبهذه الصياغة الواضحة لا يخفى فيه الجانب التربوي الذي يريد لجميع المؤمنين أن يتمثلوا معانيه ومضامينه في الاعتقاد بقرب الظهور ودنوه ليكون ذلك من صفات المؤمن المنتظر دون غيره، وأن اليأس والاستبعاد ليس هو من شأنهم ولا ينبغي لهم، ويؤكد هذا المعنى ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) لبعض أصحابه: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران (عليه السلام) خرج ليقتبس لأهله ناراً فرجع إليهم وهو رسول نبي، فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيه موسى (عليه السلام) في ليلة، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمة (صلوات الله عليهم)، يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيه موسى (عليه السلام)، ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص152]، وعلى ضوء ما تقدم نفهم الروايات العديدة التي حثت على توقع الفرج في الصباح والمساء بل وفي جميع الحالات تبدأ مع أوّل لحظة الغيبة وإلى أن يأذن الله تعالى بظهوره (عجّل الله فرجه)، فقد روى علي بن مهزيار قال: كتبت إلى الإمام الهادي (عليه السلام) أسأله عن الفرج، فكتب إلي: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص380]، وجاء عنه أيضاً (عليه السلام) قوله: إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص341]
والنتيجة النهائية التي نصل إليها من كل ما تقدم أن الاستبشار بظهور الإمام (عجّل الله فرجه) هو أمرٌ مطلوب من جميع المؤمنين وعلى طول الخط في وقتنا هذا أو في غيره، وهو المعنى الحقيقي لمفهوم (انتظار الفرج)، وأن نعيش الأمل دائماً في أن نكون من المشمولين بالتوفيق الإلهي لنصرة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ومن الممهدين لدولته الكريمة.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

عصر الغيبة : ٢٠٢١/٠٨/٠٧ : ٢.٤ K : ٠
: جمانة : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.