(١٠٩١) كيف نعرف أمر أهل البيت (عليهم السلام) ونحن في عصر الغيبة؟
وردت في الحديث الشريف: فمن اهتدى بسبيلهم وسلم لأمرهم فقد استمسك بحبل الله المتين وعروة الله الوثقى...
فما هو أمرهم، فنحن لا يصلنا أي شيء من الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وإذا قلنا أمرهم هو ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام)، فيُشكل علينا من يُشكل، إذن ما هو ما ورد عن إمام زماننا الذي يعيش معنا ولا يصلنا منه شيء، الموروث الذي لدينا هو من الإمام العسكري (عليه السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فأين حلقة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وموروثه وما هو ما وصل إلينا منه (عجّل الله فرجه)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لا نحتاج في معرفة المقصود من (أمر أهل البيت (عليهم السلام)) إلّا مراجعة رواياتهم وأحاديثهم الشريفة، فقد روى الهروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا. قلت: يا بن رسول الله وكيف يحيا أمركم؟ قال: أن يتعلم علومنا ويعلمها الناس؛ فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا. [عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق: ج1، ص275]
فإن الرواية واضحة في أن أمرهم (عليهم السلام) هو اتباعهم وطاعتهم والانقياد لهم، ولا يتم هذا الأمر إلّا بمعرفة علومهم وما صدر عنهم في كل ما يرتبط بالدين من معارف وبيانات سواء في بعدها العقائدي أو التشريعي، كما أن معارف أهل البيت (عليهم السلام) وعلومهم ليست مقتصرة على ما ورد عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فقط، وإنما هو أرواحنا فداه أحد أنوار هذه السلسلة المباركة والتي لا تتفاوت أو تختلف في عطائها عن بقية تلك الأنوار المقدسة، وغيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لا تعني بأي حال من الأحوال غياب أمرهم ووصاياهم، بل ما زال كل ذلك حاضراً ومعلوماً والالتزام به مستطاع وواجب، وإنما نفتقد قيادته وحكومته الظاهرية، ولذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): لئن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم في دولة الباطل، فلن يغيب عنهم مبثوث علمهم وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص339]
ومن هنا نجد أن الأئمة (عليهم السلام) في ذات الوقت الذي أخبرونا بغيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) واحتجابنا عنه في آخر الزمان، أكدوا على ضرورة التمسك والالتزام بما وصلنا منهم (عليهم السلام)، فقد روى أبو بصير عن الإمام الصادق (عليهم السلام): طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص358]
وورد عن عبد الله بن سنان، قال: دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: فكيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى؟ ولا علماً يرى؟ ولا ينجو منها إلّا من دعا دعاء الغريق؟ فقال له أبي: إذا وقع هذا ليلاً فكيف نصنع؟ فقال: أما أنت فلا تدركه، فإذا كان ذلك، فتمسكوا بما في أيديكم، حتى يتضح لكم الأمر. [الإمامة والتبصرة لابن بابويه القمي: ص127]
كما أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لم يغب عنا غيبة تامة من أول الأمر، بل مهَّد لذلك بما يُعرف بالغيبة الصغرى والتي استغرقت قرابة السبعين عاماً كان يتواصل في أيامها مع شيعته ومواليه من خلال السفراء والوكلاء المعينين من قبله (عجّل الله فرجه)، وقد صدرت من ناحيته المقدسة حينذاك عشرات بل مئات التوقيعات والأحاديث الشريفة والتي تمثل ليومنا هذا خارطة الطريق والمنهج الذي لابد أن نتبعه في فترة الغيبة وهو يمثل لنا الموروث المهدوي الذي يُضاف إلى بقية تراث أهل البيت (عليهم السلام) وإرثهم المبارك.
كما أن غيبته عنا (عجّل الله فرجه) لا تعني بأي حال غياب تأثيره المبارك أو انقطاعه عنا على المستوى الروحي والمعنوي، بل ما زال المؤمنون يستشعرون طعم الإيمان ويرتقون في مسيرة التكامل بفضل وجوده المقدس، وهو السبب الذي يربطنا بالسماء وعالم الغيب، وبواسطته تتنور القلوب والنفوس المؤمنة، ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): والله يا أبا خالد، لَنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص194]
وهو ذات المعنى الذي ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن الناس ينتفعون به كما ينتفعون من الشمس إذا سترها السحاب. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص207]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: طيبة الموسوي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)