(٣٠٢) هل الظهور حلم جميل بعيد المنال...؟
حلمنا وأملنا أن يظهر الإمام (عجّل الله فرجه) ونحن في هذه الدنيا ونتشرف بأن نكون من الذين يشهدون عصر الظهور ويعيشون في دولة الإمام (عجّل الله فرجه) ولكن بقدر شوقنا لذلك بقدر خوفنا من أن لا يظهر ونحن في هذه الحياة وأن يكون ظهوره بعيداً جداً.. هل الظهور حلم جميل بعيد المنال نحلم به ونسعد به كحلم ولا نأمل أن يتحقق عن قريب.. كل ردودكم وكل كلامكم لا يدل ولو من باب التوقع أن الظهور قريب أو في مدى منظور..
هل يأمل الإنسان في شيء لا يوجد دليل واحد على أنه سيحصل خلال حياته؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ليس الظهور مجرد حلم لا واقع له، بل هو واقع لابد منه، لكن في وقته المحدد عند الله تعالى، وعدم تحديد الوقت كان مقصوداً للسماء، لعدة غايات، والتي منها أن يعيش الفرد المؤمن حالة الاستعداد الدائم، وما يرافق هذا الاستعداد من توبة نصوح وعمل جاد وتهيئة نفسية، وهذا فيه من الفائدة ما يبرر فلسفة عدم العلم بوقت الظهور.
على أنه كما لا يوجد دليل على قرب الظهور، كذلك لا يوجد دليل على بُعْده، والعقل يحكم في مثل هذه الموارد بالاحتياط، مما يعني ضرورة اتخاذ التهيئة التامة، فنرجع إلى المربع الأول، مربع الفلسفة من عدم تحديد الوقت.
وبعبارة أكثر وضوحاً نقول:
أولاً: إن الظهور ممكن جداً في العصر الراهن، بدليل الروايات الشريفة التي تصرح بأن ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) هو أمر مخفي ويحصل فجأة، من قبيل (فليعمل كل امرء منكم بما يقرب به من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجاءة، حين لا تنفعه توبة، ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة)، ومن قبيل (يصلح الله له أمره في ليلة) هذا فضلاً عن الأدعية الكثيرة الواردة في خصوص تعجيل الفرج.
ثانياً: إن الذي يولد اليأس والإحباط هو التوقيت، وهذا أمر وجداني، فلو علمت يقيناً بأن الظهور سوف يكون في سنة (3000) ميلادية، فإن اليأس سيدُب أكيداً في ذهني ويمنعني من العمل على تهيئة الظروف المناسبة للظهور، فإني أكيداً لن أدركه.
وثالثاً: إن إخفاء التوقيت أمر مقصود من السماء، لأن فيه منفعة لا توصف، فإنه لو علم الشخص بأن وقت الظهور مثلاً هو في عام (2050م) فإن إمكانية انحراف الشخص عن سبيل الشريعة وارد جداً، وإذا دعوته إلى التوبة لأخبرك بأنه سيتوب قبيل الظهور! وهذا المعنى يكون أوضح إذا نظرنا إلى قضية الموت.
ورابعاً: حتى لو فُرض أن المؤمن مات قبل الظهور، فإن هذا لا يمنع من أن يلتزم التمهيد العملي في حياته، لأن التزامه بذلك يرشّحه لأن يكون من الذين يُخيّرون عند الظهور بين البقاء في جنة البرزخ وبين الرجوع مع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وقد دلّت على ذلك بعض الروايات، منها:
ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) -وهو يتحدَّث عن زمن الظهور المبارك-: ...ولا يبقى مؤمن ميِّت إلَّا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، وذلك حيث يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم. [الغيبة للنعماني: ص323، ب20، ح5]
وعن المفضَّل بن عمر، قال: ذكرنا القائم (عليه السلام) ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام أُتِي المؤمن في قبره فيقال له: يا هذا! إنَّه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربِّك فأقم. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص458 و459، ح470]
وفي نفس السياق جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): ... وإنَّ لأهل الحقّ دولة إذا جاءت ولّاها الله لمن يشاء منّا أهل البيت، فمن أدركها منكم كان عندنا في السنام الأعلى، وإن قبضه الله قبل ذلك خار له... . [الغيبة للنعماني: ص201، ب11، ح2]
فقوله (عليه السلام): (خار له) يُراد منه ما أشارت له الرواية السابقة من التخيير بين البقاء أو الرجوع، والله العالم.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: جلال الحلفي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)