ارسل سؤالك المهدوي:
المسار
عصر الظهور

(٣٤٥) علة اختيار الكوفة كعاصمة للإمام (عجّل الله فرجه)؟

ما هي علة اختيار الكوفة كعاصمة للإمام (عجّل الله فرجه)؟


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى بيان شيء عن الكوفة غيبياً وتاريخياً.
أمّا من الجانب الغيبي فإن هناك العديد من الروايات الشريفة التي تشير وتؤكد على أن للكوفة فضلاً على سائر البقاع، وعلى أنها من البلدان الطيبة وأنها من أراضي الجنة...
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الكوفة روضة من رياض الجنة فيها قبر نوح وإبراهيم، وقبور ثلاثمائة نبي وسبعين نبياً وستمائة وصي وقبر سيد الأوصياء أمير المؤمنين (عليه السلام). [وسائل الشيعة: ج14، ص387]
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا فقد الأمن من البلاد وركب الناس على الخيول واعتزلوا النساء والطيب فالهرب الهرب عن جوارهم. فقلت: جعلت فداك إلى أين؟ قال: إلى الكوفة ونواحيها أو إلى قم وحواليها، فإن البلاء مدفوع عنها. [تاريخ الكوفة للسيد البراقي: ص68 - 69]
وفي نفس المصدر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد، وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم من أهل البلاد... .
وفي نفس المصدر ص67 - 68 عن أنس بن مالك قال: كنت جالساً ذات يوم عند النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ دخل عليه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إليَّ يا أبا الحسن. ثم اعتنقه وقبل ما بين عينيه وقال: يا علي إن الله (عزَّ اسمه) عرض ولايتك على السماوات فسبقت إليها السماء السابعة فزينها بالعرش، ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الأرضين فسبقت إليها مكة فزينها بالكعبة، ثم سبقت إليها المدينة فزينها بي، ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بك، ثم سبقت إليها قم فزينها بالعرب وفتح لها باباً من أبواب الجنة... .
وفي نفس المصدر عن علي بن أخي دعبل، عن الرضا، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أربعة من قصور الجنة في الدنيا: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد بيت المقدس، ومسجد الكوفة.
وفي ص65 عن أبي سعيد الإسكافي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ﴿وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ﴾ [مؤمنون: 50] قال: الربوة الكوفة، والقرار المسجد، والمعين الفرات.
وغيرها من الروايات الكثيرة في هذا المجال، هذا فضلاً عن الروايات العديدة في فضل مساجدها والصلاة فيها، وأنها من أماكن التخيير في الصلاة، وأن من أرادها من الجبابرة بسوء قصمه الله، ففي نهج البلاغة: كأني بك يا كوفة تمدين مد الأديم العكاظي تعركين بالنوازل وتركبين الزلازل وإني لأعلم أنه ما أراد بك جبار سوءً إلّا ابتلاه الله بشاغل، ورماه بقاتل... .
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من كان له دار في الكوفة فليتمسك بها. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج97، ص385]
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو في مسجد الكوفة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فرد عليه فقال: جعلت فداك إن عزمت على المضي إلى المسجد الأقصى وقد أتيت لأسلم عليك وأودعك فقال: أي شيء تريد بذلك، قال: الفضل جعلت فداك، قال: فبع راحلتك وكل زادك وصل في هذا المسجد فإن الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة، والنافلة عمرة مبرورة والبركة فيه اثنا عشر ميلاً يمينه رحمة ويساره مكر وفي وسطه عين من دهن، وعين من لبن، وعين من ماء شراب للمؤمنين، ومنه سارت سفينة نوح وكان فيه نسر ويغوث ويعوق وصلى فيه سبعون نبياً وسبعون وصياً أنا آخرهم وقال ويده على صدره: ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلّا أجابه الله وفرج عنه كربه.
وهذا كله يعني أن للكوفة أثراً تكوينياً مهماً عند الله تعالى، مما يعني وجود حكمة مهمة عنده جل وعلا جعلته يأمر بأن تكون الكوفة عاصمة لدولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه). [فضل الكوفة ومساجدها لمحمد بن جعفر المشهدي: ص29 - 30]
أمّا من الجانب التاريخي، فإن الشواهد التاريخية الكثيرة تؤكد على أن الكوفة كانت ولا زالت من أهم أماكن تواجد الشيعة المخلصين، رغم ما مر بها من محن وانتكاسات في بعض الأحيان.
عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن ولايتنا عرضت على السماوات والأرض والجبال والأمصار ما قبلها قبول أهل الكوفة. [تاريخ الكوفة للسيد البراقي: ص67]
والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب (عليه السلام) الصلاة في مسجدها بألف صلاة، والدرهم فيها بألف درهم. [فضل الكوفة ومساجدها لمحمد بن جعفر المشهدي: ص12]
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه كان يقول: كوفان كوفان يرد أولها على آخرها، يحشر من ظهرها سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب. [وسائل الشيعة: ج3، ص161]
ولذا فقد اختارها أمير المؤمنين (عليه السلام) عاصمة لدولته دون غيرها من المدن، واختارها الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) كذلك قبل الصلح، واختارها الإمام الحسين (عليه السلام) على غيرها من الخيارات المتاحة له آنذاك، كاليمن وأعالي الحجاز ومكة وغيرها...
على أن التاريخ يشهد أن الكوفة بقيت على تشيعها رغم ما مر بها من مآسي ورغم قصد الطغاة لها دائماً، وهي بهذا تختلف عن مدن عرفت بالتشيع لكن ما إن داهمها الخطر حتى نزعت ثوب التشيع، كمصر، فإنها كانت يوماً ما عاصمة للدولة الفاطمية، ولكن ما إن دخلها صلاح الدين وخرب أراضيها وقتل أهلها وأحرق مكتباتها حتى تحولت إلى المذهب الشافعي السني... علماً أن الدماء التي أريقت في مصر لا يمكن قياسها بما أريق في الكوفة من دماء!
ولذلك ستكون الكوفة هدفاً للقوى المتعددة في عصر الظهور، فيقصدها السفياني من جانب، ويقصدها اليماني والخراساني من جانب آخر، لأن السيطرة عليها تعني السيطرة على فئة مهمة من الناس كان لهم الدور البارز على مسرح الأحداث وتحديد مجرى التاريخ منذ الصدر الأول للإسلام...
لهذا وذاك ولغيرها من الأسباب التي لا نَعلمها سيختارها الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لتكون عاصمة لدولته المباركة.
والله العالم
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

عصر الظهور : ٢٠١٣/٠٨/٣١ : ٦.٣ K : ٠
: حيدر التميمي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.