(٧٣٠) كيف يهدده الأعداء بالقتل؟ وهم لا يرونه...
نشرت في القناة الرسمية للمركز على التليجرام المقال التالي:
عنوان المقال: خوف القتل سبب الغيبة والظهور
الكاتب: السيد محمد القبانجي
لا يختلف اثنان في أنَّ أحد أسباب الغيبة الرئيسية هو خوف القتل، وهذا السبب ساري المفعول في جميع أعصار الغيبة، وذلك لكثير من الروايات الصريحة في هذا المضمون، ومنها ما ورد عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ للقائم عليه السلام غيبة قبل أن يقوم)، قلت: ولِمَ؟ قال (عليه السلام): (إنَّه يخاف _وأومأ بيده إلى بطنه_ يعني القتل).
ولكن إنَّ نفس هذه العلَّة تكون سبباً للظهور، فهذا ما لا يتصوَّره البعض، إذ كيف تكون علَّة واحدة، للغيبة تارةً وللظهور أخرى.
ولكن مع التأمّل قليلاً نجد عدم التعارض، ويمكن حلّ الإشكالية بما يلي:
إنَّ الإمام (عليه السلام) غاب عن الأنظار حذراً من القتل، لأنَّه (عليه السلام) لو ظهر علانية فسوف يلقى القبض عليه، ويكون مصيره (عليه السلام) كمصير آبائه عليهم السلام، ولا يستطيع النهوض بالأمر وإعلان الحاكمية العالمية، لأنَّ المجتمع آنذاك لم يكن مهيّأً لمثل هذه الحكومة الإلهية، مع عدم تحقّق بقيّة أسباب الظهور، ممَّا اضطرَّ الإمام (عليه السلام) إلى العمل بشكل خفي لإدارة الصراع مع الظالمين عبر التاريخ، وبعد كلّ هذه القرون من العمل السرّي المنظَّم غاية التنظيم، وبعد أن تتوفَّر سائر الشروط الأخرى والأسباب المهيّأة للظهور المقدَّس، يضيق الخناق على الإمام المهدي (عليه السلام)، وينكشف للأعداء بشكل جزئي، وتضيق الخيارات لديه، ممَّا يجعله في دائرة ضيّقة وخيارات محدودة، فهو إمَّا أن يعلن عن نهضته المباركة والتي آن أوانها، ويجد من يناصره سواء على مستوى النخب أو القاعدة الجماهيرية، وإمَّا أن يُقتل ولم يحقّق الهدف الإلهي بعد أن ضيّق الخناق عليه وعُلِمَ بوجوده في المدينة ومحاولة السفياني استئصاله بإرسال جيش كبير لإبادة المدينة ومن فيها وعلى رأسهم الإمام (عليه السلام).
فكما أنَّ خيار الغيبة كان هو المتعيّن لمحذور القتل، فسوف يكون خيار الظهور والإعلان عن الثورة هو المتعيّن أيضاً لنفس المحذور، وهذا لا يعني _بطبيعة الحال_ أنَّ خوف القتل هو العلَّة التامّة للظهور، بل كما سبق وأكَّدنا أنَّ الأجواء السياسية والاجتماعية تكون مناسبة أيضاً لإعلان الثورة، ويدلُّ على ما ذهبنا إليه روايات عدَّة:
منها: عن أبي وائل، قال: نظر أمير المؤمنين إلى الحسين (عليهما السلام) فقال: (إنَّ ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيّداً، وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيّكم يشبهه في الخَلق والخُلُق، يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة للحقّ، وإظهار للجور، والله لو لم يخرج لضُربت عنقه، يفرح بخروجه أهل السماوات وسكّانها، وهو رجل أجلى الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، بفخذه اليمنى شامة، أفلج الثنايا، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
ومنها: عن قتادة، قال: يُجاء إلى المهدي (عليه السلام) وهو في بيته، والناس في فتنة تهراق فيها الدماء، فيقال له: قم علينا، فيأبى حتَّى يخوَّف القتل، فإذا خوّف بالقتل قام عليهم، فلا يهراق في سببه محجمة دم.
ولا يتصوَّر خوف القتل والتهديد به من قبل أصحابه، بل من الأعداء الذين يحيطون به (عليه السلام)، والذين ضيَّقوا الخناق عليه وعلى حركته الخفية، ممَّا سبَّب شمول التهديد والتصفية الجسدية له (عليه السلام) ولأصحابه، فتخويف أصحابه له بالقتل يعني ذكرهم وتحذيرهم الإمام (عليه السلام) وخوفهم عليه أن يقتل من قبل الأعداء كما خوّف الحسين (عليه السلام) القتل من قبل الكثير في المدينة أمثال محمّد بن الحنفية وابن عبّاس وغيرهما.
وسؤالنا هو: كيف يهدده الأعداء بالقتل؟ وهم لا يرونه لأن الكلام عن الغيبة
الرواية غير واضحة والتفسير غير وافي؟
هو غائب كيف يُهدد بالقتل فيظهر؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
ان الذي يظهر من الروايات الشريفة هو أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يبدأ بالتحرك شبه العلني قبل ظهوره الرسمي يوم العاشر من محرم الحرام، ومما يشهد بوضوح على ذلك هو أن السفياني يرسل جيشاً خلفه إلى المدينة المنورة، مما يعني انه علم بوجوده هناك ثم لمّا يخرج الإمام (عجّل الله فرجه) من المدينة إلى مكة المكرمة أيضاً يعلم السفياني به، ويرسل جيشه خلفه، إلا ان الإرادة الإلهية تشاء بأن يخسف بالجيش في البيداء.
فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في كلام له مع جابر: ويبعث السفياني بعثا إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشا على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفا يترقب على سنة موسى بن عمران (عليه السلام).
وقال: فينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء: يا بيداء، بيدي القوم، فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر، يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم، وهم من كلب، وفيهم نزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [الغيبة للنعماني: ص289 - 290، ب14، ح67]
ومما يؤكد أن الإمام (عجّل الله فرجه) في هذه الفترة يبدأ تحركه شبه العلني مما يعني علم البعض به وبمكانه، هو ما روي عن الإمام الصادق (عليه سلام) ضمن كلامه عن بدايات الظهور وعلاماته: (ويستأذن الله في ظهوره، فيطلع على ذلك بعض مواليه) [الغيبة: ص 279، ب14، ح43]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: العلوية : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)