(٧٩٣) ما هو موقف الكفار في دولة الإمام (عجّل الله فرجه)؟
هل الكفار في دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يبقون على دينهم ويدفعون الجزية أم يدخلون الإسلام كرهاً؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيظهر أمره على كل الكرة الأرضية، وأنه لا يبقى أحد يرفع أي شعار أو ممارسة غير إسلامية، الأمر الذي صرّحت بع بعض الروايات الشريفة، فعن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جهال الجاهلية. قلت: وكيف ذاك؟ قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج عليه به، ثم قال: أما والله ليدخلنّ عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر. [الغيبة للنعماني: ص307، ب17، ما جاء فيما يلقى القائم (عليه السلام) ويستقبل من جاهلية الناس، وما يلقاه الناس قبل قيامه من أهل بيته، ح1]
وبالتالي، فقد يتساءل البعض: ما هو مصير بقية الديانات؟ كيف يتعامل مع اليهود والنصارى وبقية أهل الملل والنِحَل؟
والجواب:
هنا مقدمة:
ثبت في مباحث علم الكلام والعقيدة أن الإمام لا بد أن يكون معصوماً، فالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) معصوم، وبالتالي فلا يمكن أن نتصور أنه يفعل ما فيه ظلم أو عبث أو خطأ، وإنما سيكون مسدّدًا من الله تعالى بعلمه اللدني الذي يكشف له الواقع كما هو، فيكون تصرفه مطابًقًا للواقع الحق.
إذا تبينت هذا فنقول:
إن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيتعامل مع الديانات الأخرى وفق الخطوتين التاليتين – حسب ما يظهر من الروايات الشريفة:
الخطوة الأولى: العمل على هدايتهم إلى الحق.
وذلك من خلال:
1- فتح باب النقاش العلمي، من أجل الوصول إلى قناعات مستدلة يقينية، تدعو كل منصف أن يؤمن بها، ومن ذلك ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ...فإنَّما سُمّي المهدي لأنَّه يهدي لأمرٍ خفي، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان... [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج51، ص29، ح2، عن علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج1، ص161، ب129، ح3]
2- إظهار بعض المعجزات لهم مما يكشف حقانيته وحقانية دعوته.
ومن ذلك ما ورد من أنَّه يبعث بعض أصحابه إلى المدن (مثل القسطنطينية)، فيفتح الناس لهم أبوابها سلماً عندما يرونهم يمشون على الماء.
عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كلّ إقليم رجلاً، يقول: عهدك في كفّك، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفّك واعمل بما فيها، قال: ويبعث جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟! فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون. [الغيبة للنعماني: ص334 و335، ب21، ح8]
الخطوة الثانية: مرحلة التعامل الإجرائي الإسلامي:
مما كان يفعله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع الكفار في زمنه، وهو أحد أمرين:
الأمر الأول:
أن يبقيهم على أديانهم، ويتعامل معهم تعامل أهل الذمة، فيأخذ منهم الجزية، ويبقون تحت حماية الإسلام، ولا يُسمح لهم بإظهار أي شعيرة أو ممارسة غير إسلامية.
ولعل مما يدل على ذلك ما روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهوديًا، قيل: يا رسول الله، وإن شهد الشهادتين؟ قال: نعم، إنما احتجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه، أو يؤدي الجزية وهو صاغر، ثم قال: من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهوديًا. قيل: وكيف يا رسول الله؟ قال: ان أدرك الدجال آمن به. [المحاسن للبرقي: ج1، ص90، ب16، عقاب من أنكر آل محمد (عليهم السلام) حقهم وجهل أمرهم، ح 39]
وَعنْ سَلَّامِ بْنِ المُسْتَنِيرِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يُحَدِّثُ: إِذَا قَامَ القَائِمُ عَرَضَ الإِيمَانَ عَلَى كُلِّ نَاصِبٍ، فَإِنْ دَخَلَ فِيه بِحَقِيقَةٍ وإِلَّا ضَرَبَ عُنُقَه أَوْ يُؤَدِّيَ الجِزْيَةَ [قال في هامش المصدر: لعل هذا في أوائل زمانه (عليه السلام) وإلا فالظاهر من الاخبار انه لا يقبل منهم إلا الإيمان أو القتل.]، كَمَا يُؤَدِّيهَا اليَوْمَ أَهْلُ الذِّمَّةِ، ويَشُدُّ عَلَى وَسَطِه الهِمْيَانَ ويُخْرِجُهُمْ مِنَ الأَمْصَارِ إِلَى السَّوَادِ. [الكافي للشيخ الكليني: ج8، ص227، ح288]
الأمر الثاني:
أن يحملهم على الإسلام رغماً عنهم، وهذا ما يظهر من بعض الروايات الشريفة.
فقد روي في شأن النبي عيسى (عليه السلام) ما يدل على أنه (عجّل الله فرجه) يحمل الناس على الإسلام ولا يقبل منهم الجزية، فقد روي عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله]:... ويكون عيسى في أمتي حكما عدلًا، وإمامًا مقسطًا، ويدقّ الصليب. [الصحاح: ج4، ص1475]، (دقق) ولعل المراد: أنه يكسر الصليب بحيث لا يبقى من جنسه شيء، راجع سنن ابن ماجة ج2، ص1362، ويقتل الخنزير [لعل المراد: يحرم أكله، أو يقتله بحيث لا يوجد في الأرض ليأكله أحد، أنظر: سنن ابن ماجة ج2، ص1362]، ويضع الجزية... [الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: ص172-173، ب187، ح234]، أي: يحمل الناس على دين الاسلام، فلا يبقى ذمي تجري عليه الجزية.
وقال العلامة المجلسي (قدس سره) في ذيل هذه الرواية:
وقوله (ويضع الجزية) معناه أنه يضعها من أهل الكتاب ويحملهم على الاسلام، فقد روى أبو هريرة، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في نزول عيسى (عليه السلام): ويهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الدجال فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون.
وقيل معنى (وضع الجزية) أن المال يكثر حتى لا يوجد محتاج ممن يوضع فيهم الجزية، يدل عليه قوله (عليه السلام): فيفيض المال حتى لا يقبله أحد. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص383]
ولعل ذكر النبي عيسى (عليه السلام) باعتبار أنه سيصلي خلف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وبالتالي سيظهر لكل أتباعه من المسيحيين أنه من أتباع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأن عليهم أن يتبعوه كما تبعه هو، فلا يكون هناك عذر لمن ينكر الإسلام ولا يتبع المهدي (عجّل الله فرجه).
ومما يدل أيضاً على أنه لا يقبل الجزية منهم هو:
ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: فإن الله تبارك وتعالى لن يذهب بالدنيا حتى يقوم منا القائم، يقتل مبغضينا، ولا يقبل الجزية، ويكسر الصليب والأصنام، ويضع الحرب أوزارها، ويدعو إلى أخذ المال فيقسمه بالسوية، ويعدل في الرعية. [الخصال للشيخ الصدوق: ص578 – 579، أبواب السبعين وما فوقه لأمير المؤمنين (عليه السلام) سبعون منقبة لم يشركه فيها أحد من الأئمة (عليهم السلام، ح1]
ومنه: ما روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): ولا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا رسول الله، وهو قوله: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران 83].
ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو قول الله: ﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾ [الأنفال 39]، قال أبو جعفر (عليه السلام): يُقاتَلون والله حتى يوحَّد الله ولا يُشرَك به شيئًا، وحتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد، ويخرج الله من الأرض بذرها، وينزل من السماء قطرها... [تفسير العياشي: ج2، ص60 – 61]
فهذه الروايات واضحة في أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيحمل الجميع على أن يكونوا مسلمين، ولن يقبل منهم غيره، وذلك لكمال الحجة ووضوحها عليهم، فلا يبقى أحد معارضًا للإسلام إلا المعاند والملحد، وهو بلا ريب سيكون محاربًا للإمام ومعترضًا عليه، فلا سبيل له إلا الإسلام أو القتل.
وجه الجمع بين الروايات:
لاحظنا أن الروايات بعضها يشير إلى قبول الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الجزية من أهل الكتاب، وبعضها يقول بأنه لا يقبل الجزية ويحملهم على الإسلام رغماً عنهم، فما هو وجه الجمع بين هذه الروايات؟
الجواب:
يمكن ذكر وجهين للجمع:
الوجه الأول:
أنه (عجّل الله فرجه) يقبل الجزية من غير النواصب ومن غير الذين يقاتلونه، وأما النواصب ومن يرفع السلاح بوجهه (عجّل الله فرجه) فإنه لن يقبل منه الجزية، وسوف يقاتلهم أو يُسلمون.
ولعل مما يشير إلى وجه الجمع هذا هو ما روي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
قال لي: يا أبا محمد، كأني أرى نزول القائم (عليه السلام) في مسجد السهلة باهله وعياله... قلت: فما يكون من أهل الذمة عنده؟
قال: يسالمهم كما سالمهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون.
قلت: فمن نصب لكم العداوة؟
فقال: لا يا أبا محمد، ما لمن خالفنا فيه في دولتنا من نصيب، إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا، فاليوم محرم علينا وعليكم ذلك، فلا يغرنّك أحد، إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين. [المزار لمحمد بن جعفر المشهدي: ص135، ب5، ذكر ما ورد من الفضل في مسجد السهلة، ح7]
الوجه الثاني:
أنه في أوائل زمانه (عجّل الله فرجه) يقبل الجزية، وبعد أن تستتب له الأمور وتتضح الحجة ويبين الحق بنحو القطع واليقين، فإنه لا يقبل منهم إلا الإيمان أو القتل.
وإليه الإشارة من المازندراني في شرحه لرواية سلام بن المستنير المتقدمة، حيث قال في شرحها:
والمراد بحقيقة الإيمان: الإيمان الخالص، وبالناصب غير الإمامية من فرق الإسلام، وفي هذا الخبر دلالة على أنه (عجّل الله فرجه) يقبل الجزية منهم إن لم يؤمنوا إيماناً خالصاً، إلاّ أنه ضعيف، وعلى تقدير العمل به، فلعل الجمع بينه وبين ما روي من أنه يضع الجزية عند ظهوره أنه يضعها عن أهل الكتاب فإنهم حينئذ بمنزلة الحربي لا يرفع عنهم السيف حتى يؤمنوا أو يُقتلوا. والله أعلم. [شرح أصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني: ج12، ص303 – 304]
والحاصل:
أنه بعد أن يظهر الإسلام على الأديان كلها، ويستقر الأمر للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وتتضح الحقيقة للجميع، ويبين الحق بلا أدنى ريب، حينها لا يبقى أي عذر لمن لا يعتنق الإسلام، ولن يبقى بعيداً عنه إلا المعاند والرافض للحق، والباغي على المسلمين، وهذا لا مكان له في دولة العدل والأمن والسلام.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: جعفر الفهيد : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)