(٨٨٩) كيف يظهر (عجّل الله فرجه) في سنة سبعين...؟
يفهم من جوابكم على السؤال رقم (460) ضمن أسئلة المركز الموقر
يفهم أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كان مقدراً له أن يظهر في سنة 70 للهجرة.
كيف يظهر في سنة سبعين للهجرة وولادته في سنة 255 للهجرة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالكم يرتبط بعقيدة القدر والقضاء، ولكي يتضح الجواب عن هذا السؤال نحتاج إلى بيان موجز لهما.
فالقدر والأقدار الإلهية هي: عبارة عن الهندسة والقوانين التي يسير على ضوئها الكون بأجمعه، وهي بالتالي النظام الذي اقتضته الحكمة الإلهية باعتباره النظام الأحسن الذي اختاره الله تعالى، فالموت وقيام الساعة والمرض والصحة والفقر والغنى وبعثة الأنبياء (عليهم السلام) وقوانين الفيزياء والطبيعة كلها أمثلة (لا على سبيل الحصر) للأقدار والقوانين الإلهية التي تحكم الكون، والتي يجب أن نسلّم لها ونرضى بها، انطلاقاً من إيماننا أنها تمثل مظهراً للعلم والإرادة والحكمة الإلهية، وهي مجعولة من قبله تعالى ابتداءً، ولا تتوقف على أحد سواه.
وأما القضاء فهو تحقّق القدر والقانون في الواقع الخارجي بحسب حيثياته الزمانية والمكانية وعلله التي تفضي إلى وقوعه، فالموت بما هو موت يمثل قدراً إلهياً كلياً، وأما موت زيد أو عمرو في اليوم المعين أو المكان المحدد فهو قضاء إلهي يدخل في تحقّقه ووقوعه سلوك زيد أو عمرو وأفعالهم.
ومقدار التزامهما بالتعاليم المادية، كالجوانب الصحية أو المعنوية كصلة الأرحام والصدقة، ولذا تجد أعمار الناس تتفاوت طولاً وقصراً تبعاً لأعمالهم وتصرفاتهم فالإنسان لا هو مجبور في وقوع الفعل عليه، ولا هو مفوّض له أن يضع الأقدار والقوانين بمزاجه ورأيه، وهذا معنى ما ورد عنهم (عليهم السلام): لا جبر ولا تفويض ولكنه أمرٌ بين أمرين. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص160]
فإذا اتضح هذا المعنى للقدر والقضاء، نأتي إلى مسالة (الدولة المهدوية) وتطبيقها على ما نحن بصدده، فنقول: إن الدولة المهدوية كمشروع إلهي يتحقق بها حلم الأنبياء والرسل، وينتصر الله تعالى بها للحق والعدل، هو قدر إلهي وقانون رباني، لا بد من تحققه في يوم من الأيام، لأنه ينسجم مع حكمة الله وإرادته، ولذا يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾، ويقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾
فهناك إذن قرار إلهي لا رجعة فيه من تحقق هذا الأمر، وأما زمان ومكان هذه الدولة، ومتى تتحقق، فهو يتبع القضاء الإلهي وحكمه النافذ، وقد ذكرنا سابقاً أن القضاء الإلهي عبارة عن معادلة يدخل في مقدماتها وعللها (ولو بنحو جزئي) سلوك الإنسان وتصرفاته، وعلى هذا الأساس يمكن أن نفهم امكانية أن يتقدم موعد الدولة المهدوية أو يتأخر تبعاً لذلك، ويرتبط بعد ذلك بمبدأ المحو والاثبات من جهة الزمان، وهو ما نعبّر عنه عقائدياً بفكرة (البداء).
ولا بد أن نفهم أن البداء إنما يختص بتوقيت الحدث لا في أصل وجوده ووقوعه، لما ذكرناه سابقاً أن الدولة المهدوية قرار وقدر إلهي لا رجعة فيه، ولذا سأل داود بن أبي القاسم الإمام الجواد (عليه السلام): هل يبدو لله في القائم؟ فقال (عليه السلام): فقال: إن القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد. [الغيبة للشيخ النعماني: ص315]
وأما توقيت ذلك وزمانه فمتغير تبعاً للمتغيرات والظروف الدخيلة فيه، ومنها تصرفات الناس وسلوكياتهم، ولذا ورد عن أبي بصير قال: قلت له: ألهذا الأمر أمد نريح إليه أبداننا وننتهي إليه؟ قال: بلى، ولكنكم أذعتم فزاد الله فيه. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص428]
وورد أيضاً عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا إسحاق إن هذا الأمر قد أخر مرتين. [الغيبة للشيخ النعماني: ص303]
وورد أيضاً عن الإمام الباقر (عليه السلام): إن الله تعالى كان وقّت هذا الأمر في السبعين، فلما قُتل الحسين (عليه السلام) اشتد غضب الله على أهل الأرض، فأخّره إلى أربعين ومائة سنة. [الغيبة للشيخ النعماني: ص 304]
فنلاحظ من خلال هذه الروايات أن التوقيت خاضع للتقديم والتأخير والمحو والاثبات، ولا يعني ذلك أن القرار النهائي سيكون بيد الناس، فإن الله تعالى غالب على أمره، بل لهم أجل هم بالغوه، فإن وصلوا إليه، وإلّا جرت سنة الاستبدال والتبديل، يقول تعالى: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾، ويقول تعالى: ﴿إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾، وقد ورد هذا المعنى عن الإمام الصادق (عليه السلام) في كتاب الغيبة للنعماني: أن صاحب هذا الأمر محفوظ له، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله له بأصحابه، وهم الذين قال لهم الله (عزَّ وجل): ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾، وهم الذين قال الله فيهم: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾. [الغيبة للشيخ النعماني: ص171]
ولأجل ذلك ورد في توقيع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الذي خرج لإسحاق بن يعقوب: وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص485]
فإن الدعاء والتوسل من جملة الأسباب والعلل التي تعجّل وتقرّب موعد ظهوره (عجّل الله فرجه)، حتى نكون مشمولين بنصرة الإمام (عجّل الله فرجه) والتنعّم بدولته ورعايته، ومن عَلِمَ الله تعالى منه الصدق والاخلاص في نصرة الإمام (عجّل الله فرجه) والتزم بتعاليمهم (عليهم السلام) وإرشاداتهم، وعاش ذلك بكل جوارحه وآماله، فإن الله تعالى سيدّخره وينتخبه لتلك النصرة ولذلك الوعد، ولو اخترمه الأجل ووقع عليه الموت، ولذا ورد في دعاء العهد المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج53، ص95]
وبعد هذا البيان والايضاح سوف تفهمون معنى إمكانية تحقق الفرج وهذا الأمر في زمن الإمام الحسين (عليه السلام)، أو في زمن الإمام الصادق (عليه السلام)، بمعنى أن كل واحد من هؤلاء الأئمة (عليهم السلام) هم في أنفسهم يمتلكون الاستعداد والأهلية للقيام والنهوض فيما لو التفَّ الناس حولهم ونصروهم، أو لم يكشفوا ويذيعوا سرهم، ولذا قال عبد العظيم الحسني للإمام الجواد (عليه السلام): إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فقال (عليه السلام): يا أبا القاسم، ما منا إلا قائم بأمر الله (عزَّ وجل) وهاد إلى دينه. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص378]
ولا يعني ذلك أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) المولود في سنة 255 هجرية سيظهر قبل زمان ولادته ووجوده، بل ستمضي أقدار الله تعالى وسننه بحسب تخطيط السماء لتصل الدولة المهدوية في وقت امامته وولايته إلى أعلى مراحل العدل وظهور الحق بما لم يتحقق فيمن سبقه من الأئمة (عليهم السلام) فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: جميل يوسف : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)