ارسل سؤالك المهدوي:
المسار
عصر الظهور

(٨٩٩) هل الإمام (عجّل الله فرجه) قادر على تحقيق النصر بدون استعمال....

هل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) قادر على تحقيق النصر بدون استعمال المعجزة؟


بسم الله الرحمن الرحيم
ينبغي أولاً الالتفات إلى قضية مهمة ترتبط بحقيقة المعجزة وماهيتها، فليس كل أمر خارق للطبيعة أو على خلاف ما اعتاده الناس يُصطلح عليه بالمعجزة، وإنما تطلق على ما يأتي به المعصوم (عليه السلام) في مقام التحدي لإثبات حجيته وسفارته عن الله تعالى [البيان في تفسير القرآن الكريم للسيد الخوئي: ص89]
وقد تحصل الخوارق لبعض الأنبياء (عليهم السلام) والأولياء في سياق الكرامة وإثبات الوجاهة عند الله تعالى، ولا تسمى حينئذ بالمعجزة، لأنهم ليسوا في مقام التحدي أو اثبات حجيتهم كما قد نرى ذلك في سيرة السيدة مريم (عليها السلام)، وكيف أن الله تعالى كان يرزقها بدون الأسباب الطبيعية المعتادة، وبعد هذا التوضيح نقول:
بالنسبة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فقد جاءت الروايات المتواترة لتقول بأن الإمام (عجّل الله فرجه) سيكون محفوفاً بالمعجزات والخوارق عند ظهوره الشريف لأثبات مهدويته وحجيته، ولا طريق له إلّا ذلك، ابتداءً من النداء السماوي وانتهاءً بكل المعجزات التي جاء بها الأنبياء السابقون (عليهم السلام).
فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلّا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء. [إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للشيخ الحر العاملي: ج3، ص700]
ولا يخفى أن هذا المعنى من التعريف بشخصية الإمام (عجّل الله فرجه) للناس وكمقدمة للقيام بمشروعه والانتصار فيه هو متوقف على المعجزة الإلهية وتحققها، وإلّا كيف يصدّق الناس أنه هو المهدي الموعود (عجّل الله فرجه)؟!
وبعد ذلك نأتي إلى فحوى سؤالكم، والذي ينصب - كما نتصور - حول معارك الإمام (عجّل الله فرجه) وحروبه التي يخوضها فنقول:
إن كنت تقصد من المعجزة معناها العام، والذي يشمل عرفاً التأييد الغيبي والتسديد الإلهي فهذا المعنى شرط واجب في نهضة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، بل في كل حركة يتحركها الإنسان المؤمن وبدونه لا يستطيع أن يقوم بأي شيء، قال تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾.
وقد سأل أحدهم الإمام الكاظم (عليه السلام) عن القدرة والقوة اللتين يمتلكهما الإنسان هل يستطيع بهما أن يؤدي تكاليفه وأعماله فقال (عليه السلام): قد أعطيت القوة إن أعطيت المعونة، قال له الرجل: فما المعونة؟ قال: التوفيق. قال: فلِمَ إعطاء التوفيق؟ قال: لو كنتَ موفقاً كنتَ عاملاً، وقد يكون الكافر أقوى منك ولا يُعطى التوفيق فلا يكون عاملاً. [فقه الرضا (عليه السلام) لعلي بن بابويه: ص351]
ونفهم من هذه الرواية وغيرها أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لن يكون مستغنياً في نهضته ومشروعه عن هذا الدعم الإلهي والتوفيق، غاية الأمر أن التوفيق الغيبي من الله تعالى له أسباب وعلل ومظاهر وصور، فيوسف (عليه السلام) لولا الرؤيا التي رآها ملك مصر، ولولا الجدب والقحط الذي مر على أهلها، ولولا الإلهام الإلهي ليوسف (عليه السلام) بتعبير الرؤيا، لما استطاع أن يكون عزيزاً لمصر، وهكذا بالنسبة للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فإنه لم ينتصر في معاركه وينشر دينه اعتماداً فقط على جهاد المسلمين وقدراتهم البشرية فقط، بل إن التأييد الإلهي كان حاضراً بوضوح وله تأثيره الحاسم، يقول تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
وبنفس المستوى فإن الدعم الإلهي سيكون حاضراً وبقوة في الدولة المهدوية، ولولاه لم يكتب لها النجاح والانتصار وتبدأ عجلة هذا التأييد في أول لحظة لظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، فقد ورد عن الإمام الجواد (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى (عليه السلام) إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع، وهو نبي مرسل. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص377]
وكذلك نرى مظاهر هذا التأييد الغيبي في أنصاره وأصحابه، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): فإذا بلغوا إلى الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم باب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها بما يريدون. [الغيبة للشيخ النعماني: ص334]
بل حتى استقرار الأوضاع والرفاهية الاقتصادية التي تتحدث عنها الروايات في الدولة المهدوية فهي متوقفة على ذات المعنى وإلّا فمن المعلوم أن انبساط الرزق وكثرة الأموال مدعاة لطغيان الإنسان وانحراف المجتمعات يقول تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ﴾، ولكن كل ذلك إنما يمتنع ويتلاشى بإرادته تعالى وتأييده الخاص، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): ويوسع الله على شيعتنا، ولولا ما يدركهم من السعادة لبغوا. [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج2، ص61]
ولا نريد أن نطيل في ذكر مصاديق ومفردات هذا المعنى فإنها أكثر من أن تحصى، ولكن الأمر الذي لابد من الإشارة إليه والتوقف عنده هو:
أن كل هذا التأييد والعون والتوفيق لا يتم بدون ملاكات وأسباب موضوعية يجب أن تتوفر مقدماتها وعللها ليفيض الله تعالى حينها نصره وتأييده على البشرية، سواء أكانت تلك الأسباب في نفس شخصية الإمام (عجّل الله فرجه) ومؤهلاته الخاصة أم من حيث استعداد الناس والمجتمع البشري، فإن الله تعالى كتب على نفسه أن لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهي سنة عامة لا تقبل الاستثناء، فالانتصار الذي حصل في معركة بدر إنما هو نصر من الله تعالى ولكنه متوقف أيضاً على أسباب لا بد أن تتوفر في طبيعة نفس المسلمين قبل ذلك، فإذا فقدوا تلك الأسباب فإنه يُرفع عنهم النصر ويحرمون التأييد ليهزموا أو يفشلوا، كما حصل ذلك في معركة أحد، ولو كان الأمر غير ملحوظ فيه الأسباب والشروط السابقة لما كانت هناك حاجة لتأخير الدولة المهدوية كل هذا الزمن الطويل، ولأقامها الله تعالى بالمعجزة والقهر من أول يوم وطأ الإنسان فيه الأرض.
ومن هنا نفهم أن هذه الغيبة الطويلة وترك البشرية لهذه الفترة المديدة ليست مجرد أمر اعتباطي أو عفوي بل هي من ضمن حيثيات هذا الإعداد والتمهيد لبلورة قناعة اختيارية لدى الناس، ترفع من شأن استعداداتهم وقابلياتهم ليكونوا بعد ذلك مستحقّين وجديرين بالعطاء الإلهي والنعمة الإلهية.
وهنا قد يستشكل البعض ويقول: إن كان الأمر كذلك فإن تحقق هذا الشرط في الناس من الصعوبة والتعقيد بمكان قد يجعله بحكم الممتنع والمستحيل، فمتى تبلغ المجتمعات الانسانية والانسان عموماً هذه المرحلة من الأهلية والاستعداد، والحال أنهم كلما مضى عليهم الزمن أكثر انحدروا في السقوط والفساد أكثر وأكثر؟!
والجواب عن ذلك: إن الدولة المهدوية غير متوقفة على صلاح المعاصرين والمتزامنين بالضرورة في عصر الظهور، بل هي مشروع إلهي وخطة سماوية يجري الإعداد لها منذ أول الخليقة وإلى آخر يوم، ولن تتوقف على من يكون في عصر الظهور بالخصوص حتى لو افترضنا انحراف جميع الناس حينذاك.
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): وإن صاحب هذا الأمر محفوظ له فلا تذهبن يميناً ولا شمالاً، ولو أن الناس كفروا جميعاً حتى لا يبقى أحد لجاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون من أهله. [بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص194]، فإن الله تعالى قدّر وقضى أن يظهر هذا الدين على الدين كله ولو كره المشركون، وإنما ينتخب الله تعالى من المؤمنين سواء في الماضي أم الحاضر والمستقبل أولياء له وجنوداً ليقوموا بهذا المشروع وعلى أكتافهم وبجهادهم، وكل مؤمن سواء في عصرنا الحالي أم قبله أم بعده إذا محض الصدق في إيمانه وعقيدته هو من ضمن ممهدات هذه الدولة ونجاحها، فإن أدركه الأجل والموت بعثه الله تعالى من قبره لنصرة الإمام (عجّل الله فرجه) وإنجاح دولته، وهذه من فلسفة الرجعة والحكمة منها والتي ورد فيها مئات الأحاديث والروايات والتي تؤكد هذه الحقيقة، وهذا هو المعنى الصحيح للانتظار الذي يجب على المؤمنين أن يتحلوا به في مختلف الأزمنة، فإنه لا معنى أن تنتظر شيئاً أنت غير ملحوظ فيه أو مدعو إليه، ولذا وجدنا في الأحاديث أن وجوب الانتظار هو تكليف لجميع المسلمين، حتى لمن كان في زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقد روي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله (عزَّ وجل). [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص644]، وما ذلك إلّا لأن باب النصرة المهدوية ليس محبوساً أو مقتصراً على فئة أو مجموعة قد يتفق وجودها وتعاصرها مع ظهوره الشريف، ولذا نفهم أن التأريخ الانساني بمجموعه العام هو مورد الانتخاب والاجتباء لهؤلاء الأنصار والقائمين بالدولة الإلهية على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
جاء في الحديث القدسي: فإنه يوم قضيت وحتمت أن أطهر الأرض ذلك اليوم من الكفر والشرك والمعاصي، وأنتخب لذلك الوقت عباداً لي امتحنت قلوبهم للأيمان. [سعد السعود للسيد ابن طاووس: ص34]
وجاء في الحديث الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الله الحق إلى أهله ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه، فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا فو الله ما الحق إلّا في أيديكم. [الكافي للشيخ الكليني: ج3، ص538]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

عصر الظهور : ٢٠٢١/٠٣/١٦ : ٣.٣ K : ٠
: أحمد نبراس : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.