(٩١٦) ثم ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلدة إلا وهم...
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرساً أدهم أبلق بين عينيه شمراخ، ثم ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلدة إلّا وهم يظنون أنه معهم في بلادهم.
ممكن توضيح عبارة: ثم ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلدة إلّا وهم يظنون أنه معهم في بلادهم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الرواية كما ذكرها الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتابه كمال الدين عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرساً أدهم أبلق، بين عينيه شمراخ، ثم ينتفض به فرسه، فلا يبقى أهل بلدة إلّا وهم يظنون أنه معهم في بلادهم. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص671]
ويمكن أن نفهم هذه الرواية أو غيرها من الروايات التي تضمنت بعض الألفاظ التي يمكن تفسيرها بالمعنى غير الظاهر منها على المعنى الكنائي والرمزي فيكون لفظ (الفرس) إشارة إلى مركبة متطورة مجهولة الهوية تتناسب مع ما نراه في عصرنا الحالي من التقنية الحديثة والمتطورة، وإنما وردت كذلك باعتبار أن زمن صدور الرواية لابد أن يتوافق مع الذهنية السائدة للمتلقين آنذاك، فيستعمل الإمام (عجّل الله فرجه) أقرب المعاني إلى تلك الذهنية، حتى يتوفر للسامعين شرط الفهم والاستيعاب، وهذا - كما هو معلوم - منهج بياني استعمله النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) في خطاباتهم مع الآخرين، فقد روى الكليني عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص23]
والذي قد يؤيد هذا المعنى ما ورد في الرواية من صفات ونعوت هي أقرب للمركبات المعاصرة، فكلمة شمراخ في بعض معانيه كما ذكر ابن منظور في لسان العرب (رأس مستدير طويل دقيق) [لسان العرب لابن منظور: ج3، ص31]، وكذلك كلمة (البلق) مستعملة في معاني كثيرة ذكرها ابن منظور ومنها إنه (حجر باليمن يُضيء ما وراءه كما يُضيء الزُّجاج) [لسان العرب لابن منظور: ج10، ص25] وهو قريب من حيث المعنى للمصابيح التي توضع في مقدمة المركبات الحالية، فإذا أضفنا لذلك ما ورد أيضاً في سياق الرواية من أن كل أهل بلد يظنون أن الإمام (عجّل الله فرجه) معهم في بلدهم، بمعنى أنهم يرونه ويشاهدونه كأنه حاضر لديهم، وهو المعنى الذي يتوافق مع البث الفضائي الذي نراه حالياً وينقل الحدث بالصوت والصورة في حينه، فيمكن من خلال هذه القرائن أن نخرج بنتيجة تدعم التفسير الكنائي والرمزي للرواية السابقة، وهو اتجاه مقبول في نفسه، ويتبناه بعض المحققين الذين تناولوا هذه الأخبار بالبحث والنظر.
وفي قبال هذا الاتجاه التفسيري يوجد اتجاه آخر لا يرى ضرورة لحمل هذه الروايات على المعنى الرمزي بل يمكن حملها على ظاهرها باعتبار أن الفهم السابق كيفما كان يتكلف التأويل ويعتمد المجاز لا سيما مع ما ورد في بعض الروايات من وجود خصوصية لفرس الإمام (عجّل الله فرجه) قد لا يستطيع الاتجاه الأول أن يفسرها فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): ينتفض به لا يبقى أهل بلد إلّا أتاهم نور ذلك الشمراخ حتى يكون آية له. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص391]، فإن عبارة (آية له) أما أن تكون بمعنى المعجزة أو العلامة الخاصة له (عجّل الله فرجه) وعلى كلا المعنيين لا يمكن القبول بالتفسير السابق الذي يتبنى فكرة أن (الفرس) كناية عن المركبات الحديثة والمستعملة من قبل جميع الناس، ومع ذلك فإن كلا المعنيين محتملين في أنفسهما والله العالم بحقيقة الحال.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: أحمد الربيعي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)