(٩٤٣) سرد الأحداث من ظهوره (عجّل الله فرجه) إلى قيام الساعة كيف تكون؟
ورد في محاضرة الشيخ نجم الدين الطبسي الموسومة بعنوان (الحكم والرجعة في عصر الظهور/ الحلقة 26) النص التالي:
صرح الشيخ المفيد: لن يمضي مهدي هذه الامة إلّا قبل القيامة بـ40 يوماً، وهذه الـ40 يوماً علامات خروج الأموات وقيام الساعة والحساب والجزاء ولم تكن هذه الأيام من أيام التكليف لأن أيام الدنيا انتهت ولأن هذه الأيام مقدمات الآخرة ولم يبقَ زمان وأيام حتى يحكم بعد المهدي غير المهدي (عجّل الله فرجه) سواء أبناءه أو غيرهم، وهذه الأربعين يوماً ليست من أيام التكليف.
سؤالنا هو:
هل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عند خروجه يبقى مستمراً إلى قبل يوم القيامة كما يقول الشيخ نجم الدين الطبسي؟
وكيف ذلك ونحن نعلم أن بعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يخرج الإمام الحسين (عليه السلام) ويغسل ويكفن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وينتهي دور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ويأتي دور الإمام الحسين (عليه السلام) ويحكم حتى يسقط حاجباه.
فكيف نوفق في الربط بين هذا الكلام وكلام سماحة الشيخ الطبسي؟
والسؤال الآخر كيف هذه الأربعين يوماً ليست من أيام التكليف ولا يوجد فيها إمام؟ ونحن نعلم أنه لو رفع الإمام ساعة من الأرض لساخت بأهلها، ولا تبقى الأرض يوماً بلا إمام، فكيف 40 يوماً؟
يرجى التوضيح عن سرد الأحداث من ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) إلى قيام الساعة كيف تكون.
بسم الله الرحمن الرحيم
يمكن الجواب عما ذكره الشيخ المفيد (رحمه الله) بأحد وجهين:
الوجه الأول: أن الروايات التي ورد فيها رفع الحجة قبل القيامة بأربعين يوماً هما روايتان:
الرواية الأولى: وردت في بصائر الدرجات عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ما زالت الأرض إلّا ولله تعالى ذكره فيها الحجة يعرف الحلال والحرام ويدعو إلى سبيل الله (عزّ وجلّ) ولا ينقطع الحجة من الأرض إلّا أربعين يوماً قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجة أولئك شرار من خلق الله وهم الذين عليهم تقوم القيامة. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص229]
والرواية الثانية: رواها الكليني عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمه الله (السفير الأول) عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له: يا أبا عمرو، إني أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلّا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة، فلم يك ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك أشرار من خلق الله (عزّ وجل) وهم الذين تقوم عليهم القيامة. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص329]
وكلا الروايتين لم تصرح بأن آخر من يُرفع هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، بل قالت: (يُرفع الحجة) وهو كما ينطبق على الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ينطبق على غيره من المعصومين (عليهم السلام)، وبذلك لا يقع التعارض بين الرجعة وبين هاتين الروايتين، فيمكن أن يكون آخر من يرفع هو آخر إمام من الأئمة الذين سيرجعون.
الوجه الثاني: أن رفع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إنما هو بعد رجعته، فقد يُستفاد من بعض الروايات أن كل الأئمة (عليهم السلام) لهم رجعة بعد الموت بمن فيهم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وهو الوجه الذي نميل إليه ونستقربه.
فقد روى عن الإمام الصادق (عليه السلام): إنها لكرات وكرات، ما من إمام في قرن إلّا ويكر في قرنه، يكر معه البر والفاجر في دهره، حتى يديل الله (عزّ وجل) المؤمن من الكافر. [البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني: ج1، ص448]
وأما بالنسبة لسؤالكم الثاني:
وهو كيف نجمع بين ما دل من الروايات على أن الإمام (عجّل الله فرجه) آخر من يبقى على الأرض ولو كان هناك اثنان لكان أحدهما الحجة وأنه آخر من يموت. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص180]
وبين ما تدل عليه الروايتان السابقتان من رفع الحجة قبل القيامة بأربعين يوماً
والجواب: أن الظاهر من الروايات أن كون الإمام (عجّل الله فرجه) هو آخر من يبقى وآخر من يموت في عصر التكليف لا مطلقاً، والذي يدل على ذلك جملة روايات، منها ما رواه الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام): نحن وجه الله الذي يؤتى منه، لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم روية، قلت: وما الروية؟ قال: الحاجة، فإذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما أحب. [التوحيد للشيخ الصدوق: ص151]
وكذلك ما رواه عن الإمام الباقر (عليه السلام): لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منا لساخت بأهلها ولعذبهم الله بأشد عذابه، إن الله تبارك وتعالى جعلنا حجة في أرضه وأماناً في الأرض لأهل الأرض، لم يزالوا في أمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يهلكهم ثم لا يمهلهم ولا ينظرهم ذهب بنا من بينهم ورفعنا إليه، ثم يفعل الله ما شاء وأحب. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص204]
ومع ارتفاع الإمام (عجّل الله فرجه) تدخل الأرض في طور الفساد والخراب وتسيخ بأهلها لفقدانها الإمام (عجّل الله فرجه) الذي هو صمام أمانها واستقرارها، ويفقد الإيمان قيمته لظهور آيات العذاب وانكشاف الغيب.
فقد روى القمي عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ قال (عليه السلام): إذا طلعت الشمس من مغربها فكل من آمن في ذلك اليوم لا ينفعه ايمانه. [تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي: ج1، ص221]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: الشيخ جعفر الأنصاري : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)