(٩٧٢) هل النبي عيسى (عليه السلام) يقوم بدعوى المسيحين إلى الإسلام؟
من المعروف أن النبي عيسى (عليه السلام) يظهر مع ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) ويكون له وزيراً، كما هو واضح من مضمون الروايات.
فهل يقوم بدعوى المسيحين إلى الدين الاسلامي؟ وهل يقوم المسيحيون أو اليهود بحركة مناهضة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؟ بمعنى هل تكون هنالك معارك كما هو موجودة معارك السفياني وغيرها التي تحدث في أراضي وأماكن عربية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى أن الحكمة من رفع عيسى (عليه السلام) ونزوله في آخر الزمان إنما هو من أجل مهمة تأريخية مستقبلية لها علاقة بإقامة دول العدل على الأرض على يد الإمام القائم (عجّل الله فرجه)، والسبب في ذلك كما نفهمه يرجع لعدة جهات:
الأولى: أن المشروع المهدوي في أول انطلاقته سيواجه تعبئة اعلامية عالمية تقوم على محاولة تشويهه والإساءة إليه لغرض تحشيد الناس ضده، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في سياق حديثه عن راية الإمام (عجّل الله فرجه) في أول ظهورها بقوله: فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلّا لعنها. [الغيبة للشيخ النعماني: ص320]
وبطبيعة الحال فإن هذه المحاولة سوف تؤدي إلى إيجاد ردة فعل سلبية عند الكثيرين من النصارى واليهود، جهلاً منهم بحقيقة الواقع، تُضاف إلى رصيد الفئة المعاندة والمناوئة للدولة المهدوية، ولا يخفى أن هذه الفئة المخدوعة والتي سيتم تشويش أفكارها بالإعلام المضلل والمزيف ستشكل تحدياً كبيراً للإمام (عجّل الله فرجه) ومهمته، لا سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن هؤلاء يمثلون قسماً كبيراً من الناس.
والخيار الذي يعتمده الإمام (عجّل الله فرجه) في التعامل معهم في بداية نهضته وقيامه كما نفهمه من الروايات أنه (عجّل الله فرجه) سوف يسالمهم ويهادنهم، فقد سأل أبو بصير الإمام الصادق (عليه السلام) عن كيفية تعامل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مع أهل الكتاب فقال (عليه السلام): يسالمهم كما سالمهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ويؤدّون الجزية عن يد وهم صاغرون. [المزار الكبير لمحمد بن جعفر المشهدي: ص125]
ويؤيد ذلك أيضاً ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): وإنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي إلى أمر خفي، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عزَّ وجلَّ) من غار بانطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن. [الغيبة للشيخ النعماني: ص242]
الثانية: إذا علمنا أن المشروع الملقى على عاتق الإمام (عجّل الله فرجه) يستلزم نشر الدين الإلهي الحق والقضاء على كل البدع والانحرافات التي حصلت في الديانات السابقة تحقيقاً للوعد الإلهي في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ فلا بد من القول أن الأمور في نهاياتها ونتائجها الأخيرة لا تدع مجالاً لغير دين الإسلام، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): حتى لا يبقى إلّا دين محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) [الغيبة للشيخ الطوسي: ص474]
وروي كذلك عن الإمام الحسن (عليه السلام): حتى يدينوا طوعاً أو كرهاً يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً وبرهاناً يدين له عرض البلاد وطولها لا يبقى كافر إلّا آمن، ولا طالح إلّا صلح. [الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج2، ص11]
الثالثة: بطبيعة الحال يختلف الناس في التعاطي مع قضية الإيمان والاعتقاد بالإسلام إلى فريقين، فهناك المعاند والجاحد، وهناك المضلل والمخدوع ولا يمكن وضع كلا الصنفين في سلة واحدة أو التعامل معهما بنمط واحد، ولذلك اختلفت طريقة الفقه الإسلامي في التعامل مع أهل الكتاب عن غيرهم من الكفار، بسبب الشبهة التي استولت عليهم واستحكمت في نفوسهم والتي دفعتهم للاعتقاد بأن دينهم لم ينسخ، وأن عيسى (عليه السلام) لم يأتِ نبي بعده، ولذلك تعامل معهم الإسلام تعاملاً خاصاً يختلف عن غيرهم، ولكي تتضح الحقيقة لهم وترتفع حالة الالتباس الحاصلة عندهم يمكن أن نفهم على أثر ذلك الحكمة من نزول عيسى (عليه السلام) من السماء وبقائه حياً، لما سيؤديه من أدوار مهمة في توضيح الحق وكشف الانحراف وبيان أحقية الدولة المهدوية وأهدافها وتوسطه في إيصال الدين الإسلامي إلى تلك الشعوب والمجتمعات.
والذي يؤيد هذا المعنى ما روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن عيسى (عليه السلام) سيكون وزيراً للإمام القائم (عليه السلام). [غاية المرام للسيد هاشم البحراني: ج٧، ص٩٣] بمعنى أنه سيكون سانداً وداعماً له (عجّل الله فرجه) في دولته ونهضته، وواسطته في تذليل تلك العوائق والعقبات والتي سينجح فيها اعتماداً على ما يمتلكه من وجاهة ونفوذ وتأثير تراكم في نفوس أتباعه (عجّل الله فرجه) على مدى قرون طويلة، ولذا روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا نصراني إلّا آمن به قبل موته، ويصلي خلف المهدي. [تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي: ج1، ص158]
أما بالنسبة لسؤالكم عن إمكانية وقوع المعارك والحروب بين الإمام (عجّل الله فرجه) والنصارى، فالروايات التي تحدثت عن ذلك في عمومها عامية ضعيفة، والكثير منها مروية عن كعب الأحبار وغيره ممن لا يمكن التعويل عليهم في ذلك، وبعض الروايات في هذا الباب تشير إلى وجود معاهدة صلح وهدنة بين الإمام (عجّل الله فرجه) وبينهم قد تدل على أنها اتفاقية عدم اعتداء وتعايش سلمي، فقد روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): بينكم وبين الروم أربع هدن، الرابعة على يد رجل من آل هرقل، تدوم سنين (سنتين) فقال له رجل من عبد القيس يقال له السؤدد بن غيلان: من إمام الناس يومئذ؟ فقال: المهدي من ولدي. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص338]
والذي نستقربه أن هذه الفترة التي تتسم بالهدنة والمسالمة ستكون مجالاً لحركة عيسى (عليه السلام) في تلك الدول لغرض هدايتهم ونصحهم، والذي يؤيد ذلك ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) من وجود كتاب صلح واتفاقية بين الإمام (عجّل الله فرجه) وبين الروم يُصار الرجوع إليه حينما يهرب الأمويون كلاجئين إلى الغرب، فيطالبهم الإمام (عجّل الله فرجه) بتسليمهم إليه.
فقد روى المجلسي عن الإمام الباقر (عليه السلام): وينهزم قوم كثير من بني أمية حتى يلحقوا بأرض الروم فيطلبوا إلى ملكها أن يدخلوا إليه، فيقول لهم الملك: لا ندخلكم حتى تدخلوا في ديننا وتنكحونا وننكحكم وتأكلوا لحم الخنازير، وتشربوا الخمر، وتعلقوا الصلبان في أعناقكم والزنانير في أوساطكم، فيقبلون ذلك فيدخلونهم، فيبعث إليهم القائم (عليه السلام) أن أخرجوا هؤلاء الذين أدخلتموهم، فيقولون: قوم رغبوا في ديننا وزهدوا في دينكم، فيقول (عليه السلام): إنكم إن لم تخرجوهم وضعنا السيف فيكم، فيقولون له: هذا كتاب الله بيننا وبينكم، فيقول: قد رضيت به، فيخرجون إليه فيقرأ عليهم، وإذا في شرطه الذي شرط عليهم أن يدفعوا إليه من دخل إليهم مرتدا عن الإسلام، ولا يرد إليهم من خرج من عندهم راغباً إلى الإسلام فإذا قرأ عليهم الكتاب ورأوا هذا الشرط لازماً لهم أخرجوهم إليه، فيقتل الرجال ويبقر بطون الحبالى! ويرفع الصلبان في الرماح. قال: والله لكأني أنظر إليه وإلى أصحابه يقتسمون الدنانير على الجحفة، ثم تسلم الروم على يده فيبنى فيهم مسجداً ويستخلف عليهم رجلاً من أصحابه ثم ينصرف. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥١، ص٨۰]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: حسين النجار : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)