(٩٧٩) ما هي الأحكام المعطلة التي سوف يقيمها (عجّل الله فرجه)؟
ورد في حقل (مقتطفات مهدوية) أحد منشوراتكم الكريمة أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيقيم الأحكام التي لم تطبق والتي عطلت، وسيرفع الأحكام المنحرفة ويأتي بالحقيقة، وسيحكم بأحكام واقعية حسب الموقف وما يراه هو من مصلحة، وهو ما عبرت عنه الروايات بأنه سيحكم بحكم آل داود (عليه السلام).
سؤالي هو: ما هي الأحكام المعطلة؟ هل هي من الأحكام الشرعية الفقهية، مثل حكم الزاني والزانية، أم تشمل احكام اخرى؟
بسم الله الرحمن الرحيم
تعطيل الدين وأحكامه هو من أبرز مظاهر عصر الغيبة الكبرى، والحاكم الأكبر في العالم اليوم هو القانون الوضعي الذي يبرره دعاته ومناصروه بفكرة أن الدين هو علاقة خاصة بين العبد وربه، وليس فيه ما ينظم شؤون الحياة السياسية والاجتماعية، ويضبط ايقاع علاقات الإنسان بالمجتمع، وهو توهم واضح، فالإسلام كسائر الشرائع قانون أنزل من السماء لرفع غائلة الاختلاف بين أفراد البشر، يقول تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾.
ولذلك تجد أن المقاطعة بين الدين والإنسان على مختلف الأصعدة وتعطيله يستغرق جميع مناحي الحياة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، نعم قد نجد حضوراً للدين على المستوى الفردي أو العبادي، ولكن الدين لم يكن مجرد علاقة روحية بين الفرد وربه (عزَّ وجلَّ)، بل لابد أن يكون حاضراً في جميع مفاصل الحياة، لا سيما في جانب المعاملات وهو الذي يتوقف عليه صلاح المجتمع من عدم صلاحه.
ورد في الحديث الصحيح عن الإمام الباقر (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى لم يَدَعْ شيئاً تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة إلّا أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وجعل لكل شيء حداً، وجعل عليه دليلا يدل عليه، وجعل على من تعدى الحد حدا. [الكافي للشيخ الكليني: ج7، ص176]
ولذلك فإن واحدة من أهم وظائف الإمام (عجّل الله فرجه) عند ظهوره الشريف هو تطبيق الشريعة بمختلف أحكامها وتفاصيلها، وبذلك تنبعث الحياة في الأرض من جديد، وينتشر العدل والقسط كما أراده تعالى.
فقد ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام): منا اثنى عشر مهدياً أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي وهو الإمام القائم بالحق يحيي الله به الأرض بعد موتها. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص317]
وأما كيف يتم ذلك وبأي طريقة فبيانه فيما روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ قال (عليه السلام): ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالاً فيحيون العدل، فتحيى الأرض لإحياء العدل، ولإقامة الحد لله أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحاً. [الكافي للشيخ الكليني: ج7، ص174]
وبطبيعة الحال فإن تعطيل الدين لا يتوقف عند غياب التطبيق الصحيح لأحكام الدين فقط، بل أن التعطيل الأكبر يكمن في عدم تولي الإمام المعصوم (عليه السلام) قيادة البشرية والمجتمع والأخذ بيده إلى كماله وسعادته، فإن الإمامة هي عهد الله تعالى وميثاقه الذي أخذه على الناس لإدارة شؤون البلاد والعباد ووجوب طاعتهم.
فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ﴾ قال: القصر المشيد والبئر المعطلة فاطمة وولدها معطلين من الملك. [معاني الأخبار للشيخ الصدوق: ص111]
ولذلك لن تنعم البشرية بنعمة الأمان والهداية إلّا بالرجوع إلى الإمام المعصوم (عليه السلام) وطاعته، ولا طريق غير ذلك.
فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): بلية الناس علينا عظيمة إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا. [الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص167]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: حبيب النجار : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)