(٩٩٢) كيف يحدث يوم القيامة على شرار الخلق...؟
هل سيستمر تأسيس الدولة العادلة الكاملة وتملأ الأرض عدلاً إلى يوم القيامة؟
اذن كيف يحدث يوم القيامة على شرار الخلق إن وجدوا في أيام دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
المستفاد من الروايات أن دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هي آخر الدول ولا دولة بعدها لأحد من الناس، دلّ على ذلك عدة أخبار، فقد جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله (عزَّ وجل): ﴿والعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِين﴾. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص282]
وكذلك ما جاء في الحديث القدسي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في سياق حديثه عن ولده القائم (عجّل الله فرجه): ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى تعلو دعوتي ويجتمع الخلق على توحيدي ثم لأديمنَّ ملكه ولأداولنَّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة. [علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج1، ص7]، وامتلاء الأرض بالقسط والعدل كمعلم من معالم الدولة المهدوية لا يعني وصول المجتمع إلى مرحلة العصمة أو انها تنفي وجود فئات معاندة للحق، وإنما يعني ذلك أن الظاهر العامة البارزة في المجتمع الانساني آنذاك هو الصلاح والرشاد ولا يطغى صوت فوق صوت الحق وحاكميته، وأما خلو الأرض تماماً من الفاسدين والمنحرفين بشكل كلي فالروايات ليست بصدد نفيه، كما أن الروايات التي قالت أن الأرض سوف تمتلئ بالظلم والجور قبل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) ليست بصدد نفي وجود فئات مؤمنة وصالحة بالمطلق، وإنما الروايات في سياق الحديث عن الجهة الحاكمة على الطبيعة العامة للناس والتي لا تتنافى مع وجود الاستثناءات النادرة على كلا الصعيدين، ولذا صار وجود المؤمنين قبل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) قياساً بوجود غيرهم نادراً وقليلاً، وصار وجود المنحرفين والمعاندين في آخر دولته (عجّل الله فرجه) شرار الخلق لكونهم لم يستفيدوا من بركات وجود الإمام (عجّل الله فرجه) ولا من أسباب الهداية والإيمان مع توفرها وتظافرها وقتذاك، ولذا ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): لا ينقطع الحجة من الأرض إلّا أربعين يوماً قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجة أولئك شرار من خلق الله، وهم الذين عليهم تقوم القيمة. [بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص504]
ويؤيد هذا المعنى ما رواه أيضاً الحاكم النيسابوري في مستدركه عن أبن مسعود عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في سياق الحديث عن ذات المضمون المتقدم: ثم يسرع الموت في المؤمنين فلا يبقى مؤمن فيقول الكافر: قد كنا مرعوبين من المؤمنين فلم يبق منهم أحد وليس تقبل منا توبة، فيتهارجون في الطرق تهارج البهائم، ثم يقوم أحدهم بأمه وأخته وابنته فينكحها وسط الطريق يقوم عنها واحد وينزو عليها آخر لا ينكر ولا يغير فأفضلهم يومئذ من يقول لو تنحيتم عن الطريق كان أحسن فيكونون كذلك حتى لا يبقى أحد من أولاد النكاح ويكون الأرض أولاد السفاح فيمكثون كذلك ما شاء الله، ثم يعقر الله أرحام النساء ثلاثين سنة لا تلد امرأة ولا يكون في الأرض طفل ويكون كلهم أولاد الزنا شرار الناس وعليهم تقوم الساعة. [المستدرك على الصحيحين للحكام النيسابوري: ج4، ص522]
جدير بالذكر أن ما ورد في الخبر الأخير من عقم أرحام النساء ثلاثين سنة لا يتنافى مع ما ورد من وقوع القيامة بعد انقطاع الحجة بأربعين يوماً، فقد دلت الروايات المتظافرة عند الفريقين أن تلك الأيام ليست كأيامنا المتعارفة من حيث طولها الزمني، بل ستطول تبعاً للمتغيرات الكونية في الحركة الفلكية للأرض، فقد روى الشيخ المفيد عن الإمام الباقر (عليه السلام): فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه، ثم يفعل الله ما يشاء. قال: قلت له: جعلت فداك، فكيف تطول السنون؟ قال: يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة، فتطول الأيام لذلك والسنون. قال: قلت له: إنهم يقولون: إن الفلك إن تغير فسد. قال: ذلك قول الزنادقة، فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك، وقد شق الله القمر لنبيه (عليه السلام) ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون وأخبر بطول يوم القيامة وأنه ﴿كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾[ الارشاد للشيخ المفيد: ج2، ص385]، بمعنى أن تلك الأيام الأربعين تمتد زمانياً بما يتجاوز الـ(24) ساعة وكما هو حاصل الآن فعلاً في الدوائر القطبية والتي قد يمتد النهار الواحد فيها أو الليل الواحد لستة أشهر فتكون السنة هناك عبارة عن يوم واحد.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: محمد نجيب : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)