(١٠٥٤) ... المؤمنين في زمن الإمام (عجّل الله فرجه) لا تحتاج إلى فقهاء الدين؟
قرأت في كتاب الغيبة للشيخ النعماني: يصبح جميع المؤمنين والمؤمنات عالمين بأحكام دينهم فلا يحتاج أحد لآخر في هذا الأمر.
حسب علمي القاصر إذا كان جميع المؤمنين والمؤمنات حسب النص الذي أمامنا عالمين بأحكام دينهم فلا يحتاج أحد لآخر، إذن المؤمنون في زمن الإمام (عجّل الله فرجه) لا تحتاج إلى فقهاء الدين؟ أي لا توجد في زمن الإمام (عجّل الله فرجه) حسب هذه الرواية فقهاء وحوزات والخ.
بسم الله الرحمن الرحيم
من الواضح إن ازدهار أي مجتمع ورقيه مرتبط بالجانب العلمي والمعرفي لأفراد ذلك المجتمع، ومع ملاحظة أن المجتمع المهدوي هو أعظم المجتمعات الإنسانية ومظهر الغاية النهائية لحركة التكامل البشري، فمن الطبيعي أن يكون العلم هو الحاضر الأبرز في شأن وأحوال ذلك المجتمع، ويؤيد ذلك ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف النَّاس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثَّها في النَّاس، وضمّ إليها الحرفين، حتى يبثّها سبعة وعشرين حرفاً. [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص117]
والحديث كما هو واضح يرمي إلى المقايسة والمقارنة بين المستوى العلمي والثقافي الكبير في عصر الظهور عند الناس عما كما كانوا عليه قبل ذلك، فإن عنوان الفتح الذي أخذته الروايات كتوصيف للدولة المهدوية لن يكون مقيداً أو محدوداً في جهة دون جهة، بل هو فتح إلهي على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني والعلمي ببركات القيادة المهدوية ويمنها الغيبي المسدد من قبله تعالى وتوفيقه له (عجّل الله فرجه)، والذي سيقوم بالارتقاء بالمؤمنين وتوفير كل المقومات التي تعينهم على التكامل وسلب النقائص والقصور عنهم، ففي الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام): إذا قام قائمنا، وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت بها أحلامهم.[ كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص675] وكذلك ما روي عنه (عجّل الله فرجه): وتؤتون الحكمة في زمانه، حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم).[ الغيبة للشيخ النعماني: ص245] مضافاً للرواية محل سؤالكم المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ويقذف في قلوب المؤمنين العلم فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من علم، فيومئذ تأويل هذه الآية ﴿يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج53، ص80]
ولكن لا يعني ذلك بالضرورة عدم الحاجة إلى العلماء أو الفقهاء المختصين، لجهتين:
الأولى منهما أن العلم ليس على درجة واحدة، بل له عدة درجات ومراتب، ولا يمكن أن يتوقف عند حد معين حتى نقول بإمكانية الاستغناء التام عن وجود الأعلم، ولا بد من فهم الروايات السابقة في هذا السياق، وأنها بصدد الحديث عن العلم بمعناه النسبي لا المطلق، ولذلك يقول الله تعالى في القرآن الكريم ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾، والجهة الثانية أن عملية النبوغ العلمي للمجتمع المهدوي لا يمكن فهم حصولها على نحو فوري وآني، بل في ضمن طبيعة الأشياء وقوانينها التدريجية في التكامل والارتقاء، ويؤيد هذا المعنى ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): إذا قام قائم آل محمد (عليهم السلام) ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزل الله (جل جلاله). [الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص386]، والرواية واضحة في وجود العلم والمتعلم حتى يصل أفراد ذلك المجتمع إلى مستوى يستغني المؤمن عن أخيه المؤمن فيما يتوقف عليه أمر دينه وأحكامه، ولا يعني ذلك بأي حال أن عجلة العلم تتوقف فيما وراء ذلك أو تنتهي الحاجة إلى وجود العالم والفقيه للسبب الذي قدمناه آنفا من كون طبيعة العلم والمعرفة لا حدود لها، لارتباطها بالفيض والعطاء الإلهي الذي لا حدود له أيضاً، وقد روى الكليني (رحمه الله) عن صفوان بن يحيى عن الكاهلي قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) في دعاء: الحمد لله منتهى علمه، فكتب إلي: لا تقولن منتهى علمه فليس لعلمه منتهى، ولكن قل: منتهى رضاه. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص107]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: سيد محمد المسعودي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)