ارسل سؤالك المهدوي:
المسار
عصر الظهور

(١١٥٨) لماذا لم يمنع الإمام (عجّل الله فرجه) استباحة حرمة الكعبة؟

الإمام الحسين (عليه السلام) خرج من مكة المكرمة وكان يعلم أن دمه سوف يُستباح فيها، فخرج منها وقطع فريضة الحج لكي لا يستباح دمه الشريف في الكعبة المشرفة.
والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أيضاً إمام معصوم مفترض الطاعة كجده الحسين (عليه السلام)، وأيضاً يعلم الغيب كالإمام الحسين (عليه السلام)؟
فلماذا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بوجوده وبظهوره المبارك سوف يستباح دم النفس الزكية ويذبح في الكعبة! ولم يمنع ذلك ولم يتدخل في ذلك كما فعل وتدخل الإمام الحسين (عليه السلام)؟
هل هنالك تفسير لذلك أم الأمر من الغيبيات والحكمة الإلهية التي لا نعلم بها؟


بسم الله الرحمن الرحيم
لا تصح المقايسة بين خروج الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة وقتل النفس الزكية، فلكل من الحادثتين أسبابها وظروفها التي لا جامع بينها، فالإمام الحسين (عليه السلام) كان يعلم أن بني أمية يريدون قتله لا محالة، سواء كان في مكة أو غيرها، وقد أشار لهذا المعنى في قوله (عليه السلام): والله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي. [الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص76]
وقد اقترح عليه ابن الحنفية وغيره أن يعتصم بالبيت الحرام ويلتجئ إليه لأمرين:
الأول: حتى يحرج الأمويين في تنفيذ خطة اغتياله.
والثاني: لكي يمنع عن نفسه القتل ليستفيد من حرمة البيت وقداسته والتي تفرض شرعاً حرمة قتل من استجار به بقول تعالى: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾، فقد شرع الإسلام الحرمة لهذه البقعة المباركة، وكل من دخلها فهو آمنٌ، ولا يجوز الاعتداء عليه حتى لو كان ممن يجب قتله، ويسري هذا الحكم حتى للحيوان والطير، ولا يجوز صيده مادام في البقعة المسماة بالحرم، سواء كان الصائد مُحِلًا أم مُحْرِماً.
وكانت هذه الفكرة من وجهة نظر الإمام الحسين (عليه السلام) في محصلتها النهائية لا تتعدى أن تكون محاولة استغلال لا ينبغي أن تصدر منه لما تنطوي عليه من انتهاك لحرمة البيت طلباً للسلامة وتقديماً للمصلحة الشخصية والتي تقارب في العرف السياسي المعاصر المبدأ الذي يعتمد مقولة (الغاية تبرر الوسيلة)، وهذا ما لا يتفق مع نهج الإمام الحسين (عليه السلام) وطريقته في التعاطي مع الأحداث، لاسيما مع علمه أن القوم لن يراعوا حرمة البيت وكرامته وأنهم على استعداد تام لانتهاكه وتدنيسه، ويعلم كذلك أن بقاءه هناك سوف يكون مقدمة وتوطئة لانتهاكات قادمة يكون هو أول من قدَّم الذرائع والمبررات لها، ولذا فضَّل (عليه السلام) أن يُقتل خارج الحرم ويبعده عن كل مواجهة عسكرية أو دموية يمكن أن تحصل بسبب ذلك.
وليكون موقفه امتثالاً تاماً لوصية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والتي أكدها في خطبته يوم فتح مكة والتي جاء فيها: إنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنّه لم يحلَّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلَّ لي إلّا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة. [مسند أحمد بن حنبل: ج1، ص316]
ولذلك كان جواب الإمام الحسين (عليه السلام) لكل من اقترح عليه البقاء في مكة لا يتعدى هذا المعنى والمضمون، فقد روي عن ابن الحنفية أنه قال للإمام (عليه السلام): فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم وأمنعه، فقال: يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج44، ص364]
وهو نفس ما أجاب به ابن الزبير حينما قال له: أما إنك لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر هاهنا لما خالفنا عليك وساعدناك وبايعناك ونصحنا لك، فقال له الإمام الحسين (عليه السلام): إن أبي حدثني أن لها كبشاً به تستحل حرمتها فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبش. [الكامل في التاريخ للبن الأثير: ج4، ص38]، ولا يخفى أن جواب الإمام الحسين (عليه السلام) كان تعريضاً بابن الزبير وما يفعله في قادم الأيام وما سوف يحصل له فعلاً بعد التجائه للبيت الحرام ثم مقتله على يد جيش الأمويين والذي لم يدفعه عن نفسه حتى بعد أن تعلّق بأستار الكعبة حينذاك وصارت تلك الواقعة سبباً وعذراً يبرر لهؤلاء الظلمة انتهاك البيت الحرام متى ما أردوا وشاءوا وأسقطت بذلك حرمة البيت وهيبته.
وأمّا بالنسبة لصاحب النفس الزكية فلم يكن بعث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) له هناك لكي يستجير بالبيت الحرام أو ليلتجئ إليه من القتل، ولا أن علمه بقتله سيكون سبباً لاستباحته وإسقاط هيبته بعد أن حصل كل ذلك فيما مضى وتقدم، وإنما كان إرساله ليقيم الحجة على أهل مكة ويبلِّغها لهم من غير أن يتعدّى هذه الوظيفة المرسومة له، وهي لا تختلف في الجوهر والمحتوى مع سيرة الأنبياء والأولياء الصالحين الذين فرضت عليه السماء تبليغ الحجة والرسالات مع علمها بأن بعضهم سوف يقتل في هذا السبيل حتماً، والذي يشهد لذلك ما جاء في رواية أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام): يقول القائم (عليه السلام) لأصحابه: يا قوم، إنّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسل إليهم لأحتجّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم، فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امض إلى أهل مكّة فقل: يا أهل مكّة أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة (عليهم السلام)، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرّية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلالة النبيين، وإنَّا قد ظُلمنا واضطهدنا، وقُهرنا وابتز منّا حقّنا منذ قبض نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا. فإذا تكلم هذا الفتى بهذا الكلام، أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص307]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

عصر الظهور : ٢٠٢١/١١/٢٠ : ٢.٢ K : ٠
: عبد الله : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.