(١١٧٩) ما سبب خفاء تفسير القرآن الذي سوف يظهره الإمام (عجّل الله فرجه)؟
عند ظهوره (عجّل الله فرجه) يظهر تفسير القرآن الكريم للناس كما فسره أهل البيت (عليهم السلام) بحيث تستغرب الناس من التفسير الذي لم يسمعوه بحياتهم فيه، ويقولون: أتى الإمام بدين جديد.
سؤالي هو: القرآن الكريم حتماً فسره النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإلى الإمام العسكري (عليه السلام)، أليس من الغرابة أن كتب الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي وغيرها من الكتب الروائية لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) التي نأخذ منها روايتنا وتعاليمنا، والمراجع العظام تأخذ استنباط الأحكام الشرعية منها، منذ قرون وإلى يومنا هذا، موجودة وتفسير أهل البيت (عليهم السلام) غير موجود؟
ولماذا يخرجه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؟ لماذا فقط هذا الكتاب تم تلفه أو إخفاءه ولم تتلف البقية؟
إذا كان الجواب كثير من البقية أتلفت، يرد إشكال ما ورد وما وصل إلينا كتب ضخمة شيعية معتبرة من علمائنا الأعلام من زمن الغيبة الصغرى وإلى يومنا هذا.
فلماذا هذا الكتاب وهو تفسير القرآن الكريم كما أنزل لم يبق منه إلّا روايات قليلة كما في تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) الذي بين أيدينا. فما السبب في بقاء غيره وعدم بقائه هو؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يرد في الروايات أن الإمام (عجّل الله فرجه) سوف يأتي بدين جديد ولا ورد أن الناس يقولون إنه (عجّل الله فرجه) قد جاء بدين جديد.
بل إن الدين الذي يحكم الدولة المهدوية هو دين الإسلام ودين جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأمّا القرآن الكريم فقد فسّره الأئمة (عليهم السلام) لأصحابهم ونقلة الأخبار من رواتهم، ووصل إلينا منه الجم الغفير، وهو مبثوث ومدون في مصادرنا التي اختصت بذلك، من قبيل تفسير العياشي وتفسير القمي وتفسير فرات الكوفي والبرهان للسيد هاشم البحراني، وغيرها من التفاسير التي انتهجت الجانب الروائي في تفسير القرآن الكريم.
ولعل ما تقصدونه في سؤالكم هو خصوص ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): إذا قام قائم آل محمد (عليهم السلام) ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن، على ما أنزل الله (جل جلاله)، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف. [الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص386]
وما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة وقد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أُنزل. [الغيبة للشيخ النعماني: ص333]
ومعنى هذه الروايات أن الإمام (عجّل الله فرجه) يظهر للناس المصحف الشريف الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والذي يُغاير هذا المصحف الموجود بين أيدينا من جهة ترتيب سوره بحسب نزولها التاريخي مضافاً لما تضمنه من التفسير والتأويل للآيات القرآنية، وقد ذكر هذا المعنى السيد الخوئي (رحمه الله) بقوله: إن وجود مصحف لأمير المؤمنين (عليه السلام) يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه، وتسالم العلماء الأعلام على وجوده أغنانا عن التكلف لإثباته، كما أن اشتمال قرآنه (عليه السلام) على زيادات ليست في القرآن الموجود وإن كان صحيحاً، إلّا أنه لا دلالة في ذلك على أن هذه الزيادات كانت من القرآن، وقد أسقطت منه بالتحريف، بل الصحيح أن تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل، وما يؤول إليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد. [البيان للسيد الخوئي: ص223]
والذي يدل على أن هذا المصحف هو الذي يأتي به الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ما رواه سالم بن سلمة، قال: قرأ رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كف عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم (عليه السلام) قرأ كتاب الله (عزَّ وجلَّ) على حده، وأخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السلام). وقال: أخرجه علي (عليه السلام) إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله (عزَّ وجلَّ) كما أنزله الله على محمد (صلى الله عليه وآله) وقد جمعته من اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه. فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان عليَّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص633]
ومن هنا نفهم أن سبب خفاء هذا المصحف الشريف لعدم قبول الأُمة به وإعراضهم عنه واكتفائهم بالمصحف الذي جمعوه ورتبوا سوره اجتهاداً منهم، وبذلك حَرَموا أنفسهم من علم باب مدينة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهم يتحملون هذه المسؤولية، ولكن لا يعني ذلك أن الأئمة من بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) منعوا شيعتهم ومواليهم من آرائهم الخاصة في تفسير القرآن الكريم أو بيان معانيه، بل بينوا لهم الكثير من ذلك والشاهد على ما نقول هي آلاف الروايات التي بين أيدينا من تراث أهل البيت (عليهم السلام) والمعنية بتفسير القرآن الكريم وكلها مدونة وموثقة في مصادرنا المعتبرة كما ذكرنا بعضها أعلاه.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: أبو حسين : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)