(١٢٠١) لماذا عبَّرت الروايات بخروجه (عجّل الله فرجه) في آخر الزمان؟
ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): المهدي يخرج في آخر الزمان.
لماذا عبَّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديثه الشريف بأن ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) في آخر الزمان، هل الزمان ينتهي بخروج الإمام (عجّل الله فرجه)؟ وأثناء حكومته أليس هذا من الزمان؟
وبعد موت الإمام (عجّل الله فرجه) وحكم الإمام الحسين (عليه السلام) أليس هذا من الزمان؟
فما هو الزمان المقصود منه آخر الزمان؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يرد تحديد خاص لمصطلح آخر الزمان في الكتاب والسنة، بمعنى أننا لا نجد تعريفاً شرعياً لقطعة زمنية معينة تؤخذ بشكل مستقل عن بقية الزمن، ويتم تعريفها بأنها تمثل آخر الزمان، والسبب في ذلك واضح باعتبار أن الزمن لا وجود له مستقل بنفسه وراء الأحداث، وإنما هو المقياس الذي يتم انتزاعه من نفس حركة تلك الأحداث الواقعة في مسيرة التاريخ.
ومن هنا يتم التعبير في الروايات والأحاديث عن هذا المصطلح بلحاظ ارتباطه بتلك الأحداث، ولذا يكون معناه أمر نسبي إضافي لبداهة أن الزمن لا وجود له يستقل بنفسه كوجود باقي الأشياء التي نراها بأعيننا أو نلمسها بأيدينا، ولأجل ذلك يمكن التعبير بهذا المصطلح عن كل حدث كلي ينقطع وينتهي على بساط الزمن، وكمثال على ذلك إذا أخذنا عنوان (بعثة الأنبياء) فهي حدث كلي تكرر في التاريخ كثيراً ابتدأ من عصر آدم (عليه السلام) ومروراً بآلاف الأنبياء وصولاً إلى بعثة نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والذي لا يأتي نبي بعده فيصح التعبير بأن نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو نبي آخر الزمان.
ومن هنا روي في الكثير من الأخبار وصف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأنه نبي آخر الزمان، فقد روى الكليني الحديث القدسي الذي وعظ الله تعالى به عيسى بن مريم (عليهما السلام) وجاء فيه: ثم أوصيك يا بن مريم البكر البتول، بسيد المرسلين وحبيبي، فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر والوجه الأقمر... يكون في آخر الزمان. [الكافي للشيخ الكليني: ج8، ص139]
وكذلك ما رواه الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث يوسف (عليه السلام) لزليخا جاء فيه: ما الذي دعاكِ يا زليخا إلى ما كان منك؟ قالت: حسن وجهك يا يوسف. فقال: كيف لو رأيت نبياً يقال له محمد يكون في آخر الزمان، أحسن مني وجهاً وأحسن مني خُلقاً. [علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج1، ص55]
وكذلك الحديث المروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الدعاء الذي علمه جبرئيل لآدم (عليهما السلام): لما نزلت الخطيئة بآدم وأخرج من جوار رب العالمين، أتاه جبرئيل، فقال: يا آدم ادع ربك. قال: يا حبيبي جبرئيل وبما أدعوه؟ قال: قل يا رب أسألك بحق الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان إلّا تبت عليَّ ورحمتني. [مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) للكوفي: ج1، ص547]
فصحة التعبير عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأنه نبي آخر الزمان إنما صح بالقياس إلى بقية الأنبياء (عليهم السلام) الذين بعثوا قبله، ولكن هذا لا يمنع أن يوصف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالأولية الزمانية قياساً بأحداث أخرى تأتي بعده، كما إذا نسبنا حركته وجهاده بحركة وجهاد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فقد روى المجلسي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في سياق حديثه عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) قوله: يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً... . [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج36، ص308]
وكمثال آخر: إذا أردنا أن نتكلم عن حركة المؤمنين في التاريخ يمكن أن نقسّم هذه المرحلة إلى قسمين على المستوى الزماني (أول وآخر)، أي بلحاظ من عاصر حضور المعصومين (عليهم السلام) أو بلحاظ من لم يعاصرهم، فنقول: إن المؤمنين في أول الزمان كانوا يرون الأئمة (عليهم السلام) ويحضرون مجالسهم، وأمّا المؤمنين الذين جاءوا في عصر الغيبة الكبرى فهؤلاء من مؤمني آخر الزمان، فيصح تبعاً لهذا المقياس ومن هذه الجهة أن يتم التعبير عن عصر (الغيبة الكبرى) بأنها واقعة في آخر الزمان، كما ورد ذلك في حديث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا علي واعلم أن أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً، قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي وحجبتهم الحجة، فآمنوا بسواد على بياض. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص318]
وبعد هذا البيان والإيضاح نفهم أن هذا المصطلح لا وجود مستقل له في نفسه وإنما هو أمر نسبي، ولا يعني بأي حال أن الأحداث التي ذكرتها الروايات وأشارت إلى وقوعها في (آخر الزمان) يعني أن الزمان قد انتهى أو توقف أو لا يأتي بعده زمان آخر يرتبط بأحداث أخرى ومن طبيعة أخرى، بل حتى نهاية العالم عند القيامة لا يعني عدم وجود زمان آخر وحياة أخرى تُبعث على أرض أخرى، كما جاء في رواية الإمام الباقر (عليه السلام): لعلكم ترون أنه كان يوم القيامة، وصيَّر الله أبدان أهل الجنة مع أرواحهم في الجنة، وصيَّر أبدان أهل النار مع أرواحهم في النار، أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يُعبد في بلاده ولا يُخلق خَلقاً يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه؟ بلى والله ليخلقن الله خلقاً من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه، ويخلق لهم أرضاً تحملهم وسماءً تظلهم، أليس الله (عزَّ وجلَّ): يقول: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرضُ غَيْرَ الْأَرضِ وَالسَّماواتُ﴾، وقال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾. [الخصال للشيخ الصدوق: ص359]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: سيد جلال الحسيني : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)