(١٢٢٠) خروج بعض الفرق الاثني عشرية بوجهه (عجّل الله فرجه)
ورد في حقل موجز دائرة معارف الغيبة في موقعكم الكريم النص التالي:
البترية:
إحدى الفرق الزيدية التي تخرج على الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) معترضين عليه بالمجيء إلى الكوفة وأنهم لا حاجة لهم بالإمام (عجّل الله فرجه)، فيعمل الإمام على تصفيتهم وقتلهم لنفاقهم ولكونهم لم يكونوا صادقين في تدينهم ولا مؤمنين بالتزامهم، وإنما جعلوا عبادتهم للدنيا، فهم شر جماعة تُخذل الناس عن نصرة الإمام (عجّل الله فرجه).
في دلائل الإمامة: ويسير [أي القائم (عجّل الله فرجه)] إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية شاكين، في السلاح قراء القرآن، فقهاء في الدين قد قرحوا جباههم وشمّروا ثيابهم وعمّهم النفاق وكلهم يقولون: يا بن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك، فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء، فيقتلهم أسرع من جزر جزور فلا يفوت منهم رجل ولا يصاب من أصحابه أحد، دمائهم قربان إلى الله.
سؤالي هو:
بالنظر إلى واقع الكوفة في الحاضر والتي يغلب عليها الولاء الشيعي الاثني عشري وتكاد تغيب عن مجتمعها الفرقة الزيدية، هل يمكن إسقاط الرواية كما هي أم تصح احتمالات أخرى، فهل يلغي ذلك احتمال خروج بعض الفرق الاثني عشرية بوجه الحجة (عجّل الله فرجه) إذ قد يكون خروجه (عجّل الله فرجه) كاسراً لشوكة بعض قادتهم وهو ما تشهده الساحة الشيعية عامّة (ليس فقط في العراق) من تقديس للرجال والقيادات بحيث يخطر للمرء أنّ فرضيّة عدم إعطاء دور لهذه القيادات في عصر الظهور حتّى لو لم تكن على ضلالٍ واضح إضافة إلى بعض الشخصيات الضالّة، أسباب قد تدفع هذه الرجالات إلى استنهاض مؤيّديها الذين غلب عليهم هوى قاداتهم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ابتلي الإسلام بشكل خاص والديانات السماوية بشكل عام بفرق وتيارات ضالة مرت عليها في مجمل تاريخها، ويبدو للمتتبع القارئ لطبيعة هذه التيارات والفرق أنها تظهر حيناً وتختفي حيناً آخر مع امتلاكها للقدرة على نسخ نفسها بين الفترة والأخرى من دون أن يرتبط أولها بآخرها عضوياً وتنظيمياً بل وحتى عقائدياً، وإنما تلتقي في المنهج والطبيعة والسلوك وتدخل من ذات النافذة التي دخلت أختها منها، فالخوارج على سبيل المثال كفرقة دينية منحرفة ظهرت وانقرضت في وقتها ولكنها مع ذلك بقيت كظاهرة تتكرر باستمرار في مقاطع التاريخ كلما توفرت أسباب ظهورها سواء كانت تلك الأسباب سياسية أو اجتماعية أو دينية، ولذلك لما قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد معركة النهروان بأنه تم القضاء على جميع الخوارج قال (عليه السلام): والله إنهم نطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء، قرن قُطِعَ، حتى يكون آخرهم لصوصاً سلابين. [نهج البلاغة: ص94]
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): لو لم يبق من أُمّة محمد (صلى الله عليه وسلم) إلّا ثلاثة لكان أحدهم على رأي هؤلاء أنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء. [مجمع الزوائد للهيثمي: ج6، ص242]
فالتشابه والتماثل بين الصورة والمنهج بين خوارج الماضي وخوارج الحاضر هو الذي يصحح القول بظهورهم المستمر، ولا يعني ذلك أن خوارج هذا الزمان يرتبطون بالضرورة بذلك المعسكر الذي عُرف في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) وإنما الجامع الذي يجمعهم (التكفير والتشدد والجهل في الدين والتعسف في تطبيقه)، ولذلك يمكن أن يكونوا انحرافاً وشذوذاً يحصل في كل مذاهب الإسلام بل وجميع الديانات الأخرى.
والبترية حالهم كحال الخوارج من هذه الجهة فهم منهج وظاهرة يمكن أن تتكرر في كل زمان ولا يعني بالضرورة أن الذي يظهر منهم في زماننا الحالي أو المستقبل لابد أن يكونوا فرعاً نتج عن أولئك الذين عاصروا زيد الشهيد وانحرفوا عنه، وبذلك لن نستغرب إمكانية أن يتواجد أصحاب هذا المنهج في الكوفة أو غيرها من حواضر الشيعة، إذا توفرت فيهم أوجه الشبه التي توفرت فيمن سبقهم، ولا يخفى أن الجامع الذي يجمعهم هو عدم البراءة من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) بغض النظر عن تشخيص هوية هذا المعادي.
فإذا كان البترية في زمن زيد الشهيد رفضوا البراءة ممن غصب الخلافة من أهل البيت (عليهم السلام) لا يعني بالضرورة أن البترية في زمن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هم أيضاً كذلك، بل يمكن أن يتبرؤوا من غاصبي الخلافة، ولكنهم يوالون السفياني ولا يتبرؤون منه فيصح توصيفهم حينئذٍ بـ(البترية) لأن ملاك التوصيف وهو (عدم البراءة من أعداء آل محمد (عليهم السلام)) موجود فيهم، ولذلك الروايات التي وردت عندنا إنما وصفتهم بذلك بسبب موالاتهم للسفياني بالتحديد ولم تتحدث عن قضية البراءة وعدمها من جهة موقفهم بالنسبة لغاصبي خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام).
ولذا روى الشيخ المفيد عن الإمام الباقر (عليه السلام): إذا قام القائم (عجّل الله فرجه) سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس، يدعون البترية، عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت، فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم... . [الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص384]
وهؤلاء البترية الذين يقولون للإمام (عجّل الله فرجه) (ارجع من حيث شئت) هم أنفسهم الذين حدثتنا رواية أخرى أنهم سيخرجون مع السفياني ويكونون في معسكره وتحت رايته، فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): يقدم القائم (عليه السلام) حيت يأتي النجف فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني وأصحابه والناس معه، فيقولون: ارجع من حيث شئت لا حاجة لنا فيك، قد خبرناكم واختبرناكم [إلى أن تقول الرواية] فيحمل عليهم هو وأصحابه، فيمنحهم الله أكتافهم ويولون، فيقتلهم حتى يدخلهم أبيات الكوفة وينادي مناديه: ألا لا تتبعوا مولياً ولا تجهزوا على جريح، ويسير بهم كما سار علي (عليه السلام) يوم البصرة. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص387]
وبالجمع بين هاتين الروايتين يتضح لنا بشكل جلي أن سبب وصف هؤلاء الخارجين على الإمام (عجّل الله فرجه) بالبترية إنما بسبب ولائهم للسفياني ورضاهم به مع كونه عدواً وخصماً لدوداً للإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
وعلى ضوء هذا الفهم والإيضاح لن نستغرب إمكانية وجود هذه الفئة ولن نحتاج أن نفسرهم أيضاً بالزيدية أو الفرقة التي انشقت عن زيد الشهيد لما قدمنا سابقاً من أن صحة التوصيف في إطلاق أسماء الفرق الماضية على الفرق الحاضرة لا يُشترط أن تتفق في جميع المعتقدات والأفكار، وإنما يكفي أن تتفق في المنهج والصورة كما يصح أن نسمي (الدواعش) الآن بخوارج العصر مع أنهم يختلفون مع أولئك السابقين في كثير من الأفكار والمعتقدات ولكنهم يتفقون معهم في التطرف والجهل والتكلف وسفك دماء الأبرياء من المسلمين، ولذلك حينما كان يتحدث أهل البيت (عليهم السلام) عن الخوارج ما كانوا يتحدثون عن أفكارهم العقائدية والدينية وإنما يتحدثون عن طبيعة منهج وسلوك يتميز به هؤلاء.
فالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان يقول عنهم: صلاتهم أكثر من صلاتكم وقراءتهم أكثر من قراءتكم، لا يجاوز إيمانهم تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فاقتلوهم. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج33، ص340]
وفي رواية أخرى: محلقون رؤوسهم، محفّون شواربهم، أزرهم إلى أنصاف سوقهم، يقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم... . [تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج1، ص172]
وفي خبر آخر: يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام... . [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج33، ص341]، ولذا لا يُشترط في خوارج زماننا أن يكونوا كخوارج زمان أمير المؤمنين (عليه السلام).
والذين تنبَّأ (عليه السلام) ببقائهم إلى آخر الدهر ضرورة أن تلك الفرقة بتفاصيلها العقائدية قد انقرضت ولم يعد لهم وجود يُذكر، وإنما الذي بقي منهم في كل زمان ومكان هم الذين يشبهونهم في منهجهم وطبيعة تعاملهم مع المسلمين.
نعم، يبقى محل للتساؤل عن سبب ظهور هذه الفئة (البترية) في زمن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؟ ولماذا سيوالون السفياني ولا يتبرؤون منه؟ والجواب عن ذلك يمكن أن نرصده من جهتين:
الأولى: إن هذه الفئة سوف تُخدع بالحملة الإعلامية الكبيرة التي تحصل ضد التغيير والمشروع المهدوي قبل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) والذي تحدثنا الروايات عنه بأنه سيكون موجهاً بالتحديد لبني هاشم وذرية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بحيث إذا ظهرت راية الإمام (عجّل الله فرجه) لعنها أهل المشرق والمغرب بسبب ذلك، فقد روى أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل الشرق والغرب، أتدري لِمَ ذلك؟ قلت: لا، قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه. [الغيبة للشيخ النعماني: ص308]
وروي عنه (عليه السلام) أيضاً: إذا رفعت راية الحق لعنها أهل الشرق والغرب، قلت له، ممَ ذلك؟ قال: مما يلقون من بني هاشم. [الغيبة للشيخ النعماني: ص309]
ويبدو أن الرأي العالمي آنذاك سيكون معبأً إعلامياً بهذا الاتجاه ومؤثراً على الكثير من الناس وهو الذي يُفسّر لنا مقولة هؤلاء البترية للإمام المهدي (عجّل الله فرجه): ارجع من حيث شئت لا حاجة لنا فيك، قد خبرناكم واختبرناكم. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص387]
فعبارة (خبرناكم واختبرناكم) تعني فيما تعنيه أنهم يمتلكون تجربة سابقة مع أبناء فاطمة (عليها السلام) هي التي دعتهم أن يوالوا السفياني ويقفوا معه.
الثانية: تمكن السفياني من الاحتيال عليهم وإضلالهم من خلال التدجيل عليهم وخداعهم بإظهار نفسه أنه من الزهاد والصالحين، كما ورد ذلك في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): وهذا الملعون يظهر الزهد قبل خروجه ويتقشف ويتقنع بخبز الشعير والملح الجريش، ويبذل الأموال فيجلب بذلك قلوب الجهال والرذال ثم يدعي الخلافة فيبايعونه. [مختصر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان: ص63]
وكذلك ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في سياق الحديث عنه في خطبة البيان: ويعدل فيهم حتّى يقال فيه: والله ما كان يقال عليه إلّا كذباً. [إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب للشيخ علي اليزدي الحائري: ج2، ص172]
ولعل هذا السبب هو الذي يجعل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يعفو عن المغرر بهم والمخدوعين منهم، كما ورد ذلك في الرواية السابقة: فيقتلهم حتى يدخلهم أبيات الكوفة وينادي مناديه: ألا لا تتبعوا مولياً ولا تجهزوا على جريح ويسير بهم كما سار علي (عليه السلام) يوم البصرة. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص387]
مع أن الوارد في الروايات أن الإمام (عجّل الله فرجه) لن يسير مع أعدائه المعاندين بسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في العفو والصفح عنهم وما ذلك إلّا بسبب الجهل الذي أطبق على هؤلاء وتاهوا بسببه والذي سوف ينكشف لهم بعد ذلك فيعودوا إلى رشدهم، وهو ما ذكرناه في جواب سابق عن علة وجود بعض الشيعة في صفوف معسكر السفياني فيما عبرت عنه الروايات بيوم الأبدال والذي جاء في الخبر المروي عن الإمام الباقر (عليه السلام): حتَّى إذا التقوا وهو يوم الأبدال يخرج أُناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمّد (عليهم السلام). [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج1، ص66]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: إيمان : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)