(٨١٦) ما هو ردكم على المهدويين؟
يظهر لدينا في الوقت الحاضر مجاميع تسمي نفسها المهدويين، ويدّعون انتسابهم إلى الحديث النوري الشريف (يأتي من بعدي اثني عشر ومن بعدهم اثني عشر آخرين) فما هو رأيكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
تذكر الروايات الشريفة عدَّة إطلاقات للمهديّين، وهي التالي:
الإطلاق الأوَّل: الأئمَّة المعصومون:
وهو الإطلاق الذي ينصـرف إليهم عند الإطلاق، ولذا وردت الكثير من الروايات الشـريفة التي تصف أهل البيت (عليهم السلام) بالمهديّين.
روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ...فاختار من أهل بيتي بعدي، وهم خيار أُمَّتي، أحد عشـر إماماً بعد أخي واحداً بعد واحد...، كلَّما غاب نجم طلع نجم، إنَّهم أئمَّة هداة مهديّون...، هم حجج الله في أرضه، وشهداؤه على خلقه، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصـى الله، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه حتَّى يردوا عليَّ حوضي، وأوَّل الأئمَّة أخي عليّ خيرهم، ثمّ ابني حسن، ثمّ ابني حسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين... .
الإطلاق الثاني: قوم من الشيعة، يقومون بالدعوة إلى أمر أهل البيت (عليهم السلام) وإلى معرفتهم وموالاتهم.
عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام): يا ابن رسول الله، إنّي سمعت من أبيك أنَّه قال: يكون بعد القائم اثنا عشـر مهديّاً، فقال: إنَّما قال: اثنا عشـر مهديّاً، ولم يقل: اثنا عشـر إماماً، ولكنَّهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقِّنا.
والرواية تحتمل أمرين:
الأمر الأوَّل: أنَّ المقصود من (يكون بعد القائم) يعني مع ظهوره (عجّل الله فرجه)، وعبّر بأنهم بعده من باب أنهم يأتون من بعده رتبة، فهؤلاء القوم سيأخذون على عاتقهم الدعوة لأمر أهل البيت (عليهم السلام) والتعريف بأمرهم في أرجاء الأرض، فهم دعاة المعرفة ورسل الإمام (عجّل الله فرجه) لدعوة الناس لأمر أهل البيت (عليهم السلام).
الأمر الثاني: إنَّ المقصود من ذلك هو أنَّه بعد وفاة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يقوم أُولئك المهديّون بالاستمرار بالدعوة لأمر أهل البيت (عليهم السلام).
وعلى كلِّ حالٍ، لا دلالة في هذه الرواية على ضرورة بيعة أُولئك المهديّين، ولا لزوم أخذ أوامرهم إلَّا فيما يتعلَّق باتِّباع أمر أهل البيت (عليهم السلام)، لأنَّها لم تقل: إنَّهم يدعون الناس لأنفسهم، بل قالت: إنَّهم يدعون الناس لأمر أهل البيت (عليهم السلام).
تنبيه:
ادَّعى جماعة المدَّعي لليمانية أحمد إسماعيل كاطع أنَّ المهديّين هم أولاد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الذين سيحكمون الأرض بعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنَّ أحمدهم هو أوَّل أُولئك المهديّين.
واستدلّوا على ذلك برواية غيبة الشيخ الطوسي التي أسموها برواية الوصيَّة، والتي ورد فيها: ...فإذا حضـرته الوفاة فليُسلِّمها إلى ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد. فذلك اثنا عشـر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشـر مهديّاً، فإذا حضـرته الوفاة، فليُسلِّمها إلى ابنه أوَّل المقرَّبين.
واستدلّوا بهذه الرواية على ضرورة مبايعة أحمد إسماعيل كاطع، وأنَّ من يتخلَّف عن بيعته فهو ضالٌّ مضلٌّ منحرف عن الشـريعة وعن مذهب التشيّع.
ويرد عليهم باختصار:
أوَّلاً: أنَّ الرواية ضعيفة السند، فلا تصلح للاستدلال بها على قضيَّة فقهية فضلاً عن اعتقادية أُصولية.
فإنَّ الشيخ رواها بالسند التالي: أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن عليّ بن سفيان البزوفري، عن عليّ بن سنان الموصلي العدل، عن عليّ بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصـري، عن عمِّه الحسن بن عليّ، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيِّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)... .
وهذا السند غاية في الضعف، لاشتماله على عدَّة مجاهيل وضعفاء، فإنَّ (عليّ بن سنان الموصلي العدل)، وكذلك (أحمد بن محمّد بن الخليل)، و(جعفر بن أحمد المصـري)، و(عمّه الحسن بن عليّ، عن أبيه) كلّهم مجاهيل، فلا تصلح رواية وردوا في طريقها للاستدلال. [للتفاصيل راجع كتاب: الردُّ القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم للشيخ عليّ آل محسن: ص٢٨ - ٣٤/ تقديم مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)]
ثانياً: ولو تنزَّلنا، فنقول: إنَّ الرواية قالت: إنَّ المهدي الأوَّل يحكم الأرض بعد وفاة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فإمَّا أن يدَّعوا أنَّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) قد ظهر ومات، فتلزمنا بيعتهم، ولكنَّهم حينئذٍ سيخرجون عن الوجدان، وعن ضرورة أن يقوم الإمام أوَّلاً ليحكم الأرض. وإمَّا أن يقولوا بأنَّ الإمام لم يظهر إلى الآن، فلا دليل على لزوم بيعتهم، والرواية لا تُلزمنا بذلك أبداً.
ثالثاً: أن الرواية الثانية المتقدمة، تدل على نفي أي أئمة مهديين بعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لأنها نفت أن يكون هناك مهديون، وإنما هو دعاة من الشيعة، ولا يدّعون لأنفسهم أي منصب، فمن يدّعي خلافه يكون مخالفاً لنص الرواية الصريح.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: سيد سلمان البيرماني : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)