ارسل سؤالك المهدوي:
متفرقة

(٥٢) .. أن هناك إماماً بعد الإمام (عجّل الله فرجه)...

أنا بإذن الله من المستبصرين، تحولت إلى المذهب الشيعي بعد أن كنت سنياً، ولكنني أثناء بحثي عبر الانترنت وجدت على أحد المواقع السنيّة أحاديث في الكافي عن الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) -الأنوار البهية للشيخ عباس القمي ص91-، وروى الثقة الجليل علي بن محمد الخزاز القمي بسنده عن جنادة بن أبي أمية، قال: دخلت على الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) في مرضه الذي توفي فيه، وبين يديه طست يقذف عليه الدم، ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية، فقلت: يا مولاي مالك لا تعالج نفسك؟ فقال: يا عبد الله بماذا أعالج الموت؟ قلت: ﴿إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾، ثم التفت إليّ، فقال: والله لقد عهد إلينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام)، ما منّا إلّا مسموم أو مقتول.
والسؤال الذي يُثار هنا هو:
إن هذه الرواية تقول بأن هناك اثني عشر إماماً من وُلد علي (عليه السلام)، مما يعني أن هناك إماماً بعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فكيف نوفّق بين هذه الرواية وبين الروايات الدالة على أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو آخر الأئمة، وأن الأئمة هم اثنا عشر مع الإمام علي (عليه السلام)؟


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الأخبار المتواترة الدالة على أن الأئمة اثنا عشر، مأثورة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) من طرق الفريقين.
وقد أخرج كثيراً منها، جمع من أكابر علماء العامة، كأحمد بن حنبل في مسنده من خمسةٍ وثلاثين طريقاً، والبخاري ومسلم في الصحيحين، والترمذي، وأبي داود، والطيالسي، والخطيب، وابن عساكر، والحاكم، وابن الديبع، والسيوطي، والمتقي، والبغوي، وابن حجر، والحميدي، والطبراني، والشيخ منصور علي ناصف، وأبي يعلي والبزاز وغيرهم.
وقد صنف محمد معين السندي من علماء الجمهور، كتاباً في هذه الأحاديث أسماه: (مواهب سيد البشر في أحاديث الأئمة الاثني عشر)، كما قد روى هذه الأحاديث جمع من الصحابة. (يراجع مسند أحمد ط مصر -الطبعة الميمنية- سنة 1313 ج5 ص86، 87، و88، و89، و90، و92، و93، و94، و95، و96، و97، و98، و99، و100، و101 و106، و107، و108، وج 1 ص398، وصحيح البخاري ص175 ط مصر سنة 1355، وصحيح مسلم (ط مصر 1348) ص191 ج2 ق 1، وسنن الترمذي ص45 ج2 (ط دهلي 1342)، وسنن أبي داود ج2 ص207 ط مصر (الطبعة التازية) والمستدرك على الصحيحين (ط حيدر آباد سنة 1334) في كتاب معرفة الصحابة ص617 و618 ج3، ومسند أبي داود الطيالسي ح 767، و1278، وتاريخ بغداد ط سنة 1349 ج2 ص126 رقم 516، وج 6 ص263 رقم 3269، ج14 ص353 رقم 7673، وتيسير الوصول (ط مصر سنة 1346) ج2 ب 1 ف 1 ص34، وتاريخ الخلفاء ص7، والصواعق ف 3 ب 1 ص18 (ط مكتبة القاهرة)، وينابيع المودة ص258 و445، ومصابيح السنة (ط محمد علي صبيح) ج2 ص265، ومنتخب كنز العمال، المطبوع بهامش مسند أحمد ص312 ج5، ومجمع الزوائد ج5 ص190، وغيرها من جوامع الحديث. وجوامع حديث الشيعة ومؤلفاتهم في هذا الموضوع كالصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم في ثلاثة مجلدات، وإثبات الهداة في سبعة مجلدات، وكفاية الأثر ومقتضب الأثر والمناقب لابن شهرآشوب وبحار الأنوار، والعوالم، والعمدة لابن بطريق، ومنتخب الأثر.
وهذه الأخبار على طائفتين: فطائفة منها ليس فيها إلّا التصريح بأن الخلفاء والأئمة اثنا عشر، والطائفة الأخرى تتضمن أسماء الاثني عشر بعضهم أو جميعهم.
ثم إن هذه الأخبار، حسب استقرائنا الناقص، بلغت قريباً من الثلاثمائة حديث، والأخبار الدالة على أن أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) أول الأئمة (عليهم السلام) تزيد على ذلك بكثير.
منها ما ينوف على المائة وثلاثين حديثاً، من جملة الأحاديث الدالة على أن الأئمة اثنا عشر، حسب البيان المتقدم، فضلاً عن غيرها فلو وُجِد حديث، لا يتوافق مع ظاهر هذه الأحاديث المتواترة، وجب تأويله إن أمكن، وإلّا فيطرح ولا مشكلة في ذلك.
والجواب يدور حول أربع جهات:
الأولى: حول الحديث الذي يُتوهم عدم موافقته لتلك الأخبار الصحيحة، والمجمع عليها.
الثانية: حول سنده.
الثالثة: حول متنه.
الرابعة: حول ما يصح أن يقال في تأويله، والجمع بينه، وبين غيره من أحاديثنا المتواترة الموافقة لما استقر عليه مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وشيعتهم الطائفة المحقة الاثني عشرية.
أمّا الحديث فقد جاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج44، ص138 – 140، ما أخرجه الشيخ الخزاز في كتاب كفاية الأثر قال: حدثني محمد بن وهبان عن داود بن هيثم عن جده إسحاق بن بهلول عن أبيه بهلول بن حسان عن طلحة بن زيد عن الزبير بن عطا عن عمير بن هاني عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلت على الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طست يقذف عليه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية (لعنه الله) فقلت: يا مولاي مالك لا تعالج نفسك؟ فقال: يا عبد الله بماذا أعالج الموت؟ قلت: (إنا لله وإنا إليه راجعون). ثم التفت إليَّ فقال: والله لقد عهد إلينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي وفاطمة، ما منّا إلّا مسموم أو مقتول.
(وأمّا الكلام في السند):
فإن أغلب رجال هذا الحديث لم يذكروا في كتب الرجال فلم يعرف حالهم كداود بن هيثم وإسحاق بن بهلول وأبيه بهلول بن حسان وطلحة بن زيد والزبير بن عطا وعمير بن هاني أمّا جنادة بن أبي أمية فهو مجهول.
ولا يخفى عليك، أن الأحاديث والنصوص المخرجة في كفاية الأثر أكثر رجالها وأسانيدها من العامة، فإن مؤلفه (رضي الله عنه) صنّف هذا الكتاب لتخريج ما روى بأسانيدهم، في النص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) فلا اعتداد بما في هذا الخبر، إنْ ثبت أن ظاهر بعض ألفاظه يخالف مذهب الحق، ولا يقبل التأويل، بعدما ملأ الخزاز كتابه هذا، بالأحاديث الصريحة على عددهم، وأسمائهم، وأوصافهم من طرق العامة، فراجع كتابه حتى تعرف كثرة هذه الأحاديث من طرقهم. هذا تمام الكلام في سند هذا الحديث، وقد عرفت علله، وأنه بنفسه لا ينهض كحجة، ولا يعتمد عليه.
(وأمّا متن الحديث):
في كفاية الأثر في الباب الذي روى فيه هذا الحديث، حديث آخر عن مولانا الإمام أبي محمد الحسن السبط (عليه السلام) أيضاً وساق الكلام إلى أنْ قال: (ولقد حدثني حبيبي عن جدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته). وهذا المتن خالٍ عن الإشكال، والظاهر اتحاده مع ما رواه جنادة بن أبي أمية عنه (عليه السلام).
وعمدة السبب في هذه الاختلاف في ألفاظ بعض الأحاديث هو رواية الحديث بالمضمون، والمدلول، وغفلة بعض الرواة أو تسامحه، وعدم اهتمامه بحفظ لفظ المعصوم، فلابد من تصحيح مثل هذه المتون بغيرها من المتون المعلومة صحتها.
هذا تمام الكلام في سند هذا الحديث ومتنه. ولقد ظهر لك مما تقدم أن هذه الأسانيد بنفسها، لا تنهض حجة في قبال الأحاديث المتواترة، وأسانيدها بل ليست بحجة مطلقاً، كما أن هذا المتن أيضاً لا يحتج به، فإذا كان ولابد من الاحتجاج به فلا يحتج إلّا بما هو خال عن الإشكال، مؤيد بغيره، فإن الأخبار يقوّي بعضها بعضاً.
(وأمّا ما يصح أن يقال في توجيه هذا الحديث):
إن دلالة هذا المتن على انحصار الأئمة في الاثني عشر، وخروج أمير المؤمنين (عليهم السلام) منهم مخالفةٌ للضرورة وإجماع الكل من عصر المعصومين (عليهم السلام) إلى زماننا، وهذا الإجماع والضرورة قرينة قطعية على عدم إرادة ظاهرها، وأن الكلام على فرض صدوره جرى على ما جرى للغلبة، فإنهم من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) تغليباً لكون أكثرهم من ذرية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن ولد علي وفاطمة (عليهم السلام) ولمعلومية أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس من ذرية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا من ولد فاطمة (عليها السلام)، وبهذا يرتفع الإشكال.
وحاصل ما ذكر في الجواب عن هذا الحديث أمور:
1- إن سنده غير معتبر، فلا يجوز الاعتماد عليه بنفسه.
2- إن متنه مصحّف أو محرّف، يشهد بتصحيفه أو تحريفه غيره من الروايات المتواترة، فينبغي تصحيح متنه بها.
3- إن له متناً آخر، بألفاظ صحيحة وسليمة عن الإشكال، فينبغي أن يكون الاعتماد عليه، لا على غيره لموافقته للمجتمع عليه ولصحيح السند.
4- وعلى فرض صحة صدور هذا المتن، فاللازم إنما هو الجمع بينه، وبين سائر الروايات بما ذكرنا، من حمله على التجوز والتغليب، وغيرهما مما لا يأبى العرف وأهل اللسان صحته وما لا يخالف المجمَع عليه.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

متفرقة : ٢٠١٣/٠٨/٢٦ : ٥.٧ K : ٠
: ياسر احمد محمد فياض : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.