(٦٥١) (خلقته لنا عصمة وملاذاً)، كيف يكون (عجّل الله فرجه) عصمة لنا؟
ورد في دعاء الندبة (خلقته لنا عصمة وملاذاً)، كيف يكون الإمام (عجّل الله فرجه) عصمة لنا؟
وهل تشمل هذه العصمة من الذنوب للمكلف؟
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل تفصيل الجواب، نذكركم بالمعنى اللغوي للعصمة، فقد قال الخليل الفراهيدي في كتابه العين مادة (عصم): العصمة: أن يعصمك الله من الشر، أي: يدفع عنك.
واعتصمت بالله، أي: امتنعت به من الشر.
واستعصمت، أي: أبيت.
وأعصمت، أي: لجأت إلى شيء اعتصمت به.
وأمّا في الاصطلاح الكلامي، فهي تعني امتناع وقوع الخطأ والنسيان والسهو والغفلة فضلاً عن ارتكاب الذنب صغيره وكبيره. وذلك الامتناع إنما يكون بإرادة المعصوم، يعني من قدرته على فعل الخطأ ولكنه لا يفعله بإرادته.
وهي بالمعنى الاصطلاحي خاصة بالأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم).
وأمّا بالمعنى اللغوي فهي شاملة لكل من لجأ إلى الله تعالى ليقيه من الشر. والظاهر أن المقصود من العصمة التي تُقال في زمن الظهور هو المعنى اللغوي لا الاصطلاحي.
إذا تبين هذا نقول:
هنا مرحلتان:
الأولى: مرحلة الإرادة الإلهية، وهي أن الله تعالى قد جعل الإمام (عليه السلام) بحيث تهتدي به الأمة لو أطاعته، فيعصمون أنفسهم بطاعته.
الثانية: مرحلة تنفيذ تلك الإرادة الإلهية من قبل الأمة، وهذه داخلة تحت إرادة الأفراد أنفسهم، فمن أطاع الإمام (عليه السلام) تنفيذاً للأمر الإلهي، فقد عصم نفسه من الزلل، أمّا من اختار منهم الضلالة، فإن النظام الإلهي لم يقم على جبر الأفراد على الهداية.
ومع ذلك، فإن اللطف الإلهي قائم على إرسال الرسل وبعث المنذرين الذين من شأنهم هداية العباد، فضلاً عن أن وجود الحجة على الأرض يمثل أماناً لهم من الهلاك، وهو ما عبّرت عنه الروايات الشريفة بأنه لولا الحجة لساخت الأرض.
فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): لو أن الإمام رُفع من الأرض ساعة لساخت بأهلها كما يموج البحر بأهله. [بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص508، ب12، ح3]
وعن الإمام الرضا (عليه السلام): لو خلت الأرض طرفة عين من حجة، لساخت بأهلها. [بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص509، ح8]
وهذا يعني أن تجليات الإمام (عليه السلام) على الأمة تنقسم إلى قسمين: فمنها ما يؤثر في العباد من باب اللطف الإلهي والرحمة الربانية، وهو نفس وجود الإمام (عليه السلام) الذي يؤثر تكويناً في حفظ الدنيا أجمع، مضافاً إلى هدايته التشريعية وبيانه للأحكام الإلهية مما يصب في سعادة الفرد دنيوياً وأخروياً، هذا في حال ظهوره، وأمّا في حال غيبته، فهو يعمل على حفظ الأمة ودفع البلاء عنها من طرف خفي، كما ورد هذا المعنى في مكاتبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) للشيخ المفيد:
...إنَّا غيرُ مُهمِلينَ لمُراعاتكُمْ، ولا ناسينَ لِذِكرِكُمْ، ولَولا ذلك لَنَزَلَ بكُمُ الَّلأوَاءُ واصطَلَمَكُمُ الأعدَاءُ... . [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج51، ص175]
وفي التوقيع الآخر للشيخ المفيد أيضاً ورد ما يشير إلى هذا المعنى حيث ورد فيه:
وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظم، من رجس منافق مُذمّم، مستحل للدم المحرم، يعمد بكيده أهل الإيمان، ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم لهم والعدوان، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يُحجب عن ملك الأرض والسماء فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب، وليثقوا بالكفاية منه. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ص177]
ومنها ما يؤثر في العباد لكن بشرط أن يستجيب العباد أنفسهم ويقوموا هم بأنفسهم بتقديم ما يساعدهم على ذلك.
وهذا يتمثل بالطاعة المطلقة والتسليم للأوامر والتعليمات المعصومية، الأمر الذي أشار له القرآن بقوله ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103] وهو الذي قد يعبر عنه بالعصمة من الزلل وهو ما بينته الزهراء (عليها السلام) في خطبتها: وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً للفرقة... . [الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج1، ص124]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: منتصر الجبوري : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)