(٧٣١) كيف يكون (عجّل الله فرجه) ظاهرهم وباطنهم؟
في بعض الأخبار ورد أن الامام الحجة (عجّل الله فرجه) هو ظاهر أهل البيت (عليهم السلام) وباطنهم؟
كيف يكون هو ظاهرهم وباطنهم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
وصفت بعض الروايات الشريفة بأن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو باطن وظاهر، وهنا سؤالان:
الأول: أليس الله تعالى هو الباطن الظاهر؟ فكيف يوصف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بما هو مختص بالله تعالى؟
الثاني: ما هو معنى كون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ظاهراً باطناً؟
والجواب:
هنا عدة خطوات:
الخطوة الأولى: فيما يتعلق بأسماء الله تعالى وإمكانية إطلاقها على أحد غيره، نقول التالي:
إن أسماء وصفات الله تعالى على نوعين، فمنها ما يُسمى بالمستأثر، أي ما لا يصح إطلاقه ولا يصدق إلا على الله تعالى فقط، ومن الواضح أن مثل هذه الأسماء لا يصح إطلاقها على أي موجود ممكن، ومن تلك الأسماء: الله، واجب الوجود، الكمال المطلق، وكل صفات الله تعالى في مراتبها المطلقة غير المحدودة.
ومنها ما يصحّ إطلاقه على غيره جل وعلا، باعتبار أنها أسماء تشير إلى كمال، والكمال له مراتب متعددة، ففي مرتبته المطلقة الخالية من كل نقص لا تُطلق إلا على الله تبارك وتعالى، وأما في مراتبها الدانية، فيمكن أن توصف بها المخلوقات، كلٌ حسب مرتبته الكمالية.
ومن هذا القبيل صفة (العالم) فإنها في مرتبتها المطلقة الخالية من كل نقص ومن كل جهل لا تُطلق إلا على الله تعالى، قال تعالى في إشارة إلى هذا المعنى ﴿وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وأما في مراتبها الدانية، فلا مانع من أن نسمّي شخصاً ما بأنه (عالم)، بل القرآن أطلق اسم (العالم) على غير الله تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، وقال تعالى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾.
ومن هذا القبيل صفتا (الباطن والظاهر) في مراتبهما الدانية.
الخطوة الثانية: إن وصف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بالباطن والظاهر جاء في مناسبة خاصة، وسياق الرواية وواقع القضية المهدوية يوضّح المراد من إطلاق هذين الاسمين عليه (عجّل الله فرجه).
فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ...وتكملة اثني عشر إماماً من ولد الحسين تاسعهم باطنهم، وهو ظاهرهم، وهو أفضلهم، وهو قائمهم.
فالرواية لم تصف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بالباطن المطلق أو الظاهر المطلق ليقال بأن هذه الصفة بمرتبتها المطلقة خاصة بالله عز وجل، وإنما قيّدت ذلك بكونه باطناً وظاهراً بالنسبة لبقية الأئمة (عليهم السلام)، فلا إشكال من هذه الناحية.
الخطوة الثالثة: إن المراد من كونه (عجّل الله فرجه) باطن الأئمة هو أنه الإمام الذي سيغيب عن رعيته غيبة طويلة، وبالتالي سيختفي عن الظهور علناً للناس، والبطن يُستعمل بمعنى المخفي والمحتجب عن الأنظار.
وهذا أمر يصدق على الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وقد شهدت به عشرات الروايات فضلاً عن الواقع المعاش.
ومن كونه ظاهرهم، هو أنه الذي سيظهر أي سيعلو على الظالمين، وسيظهر الدين به على الدين كله، وسيكون ترجمة عملية للحقّ المتمثّل بالأئمة (عليهم السلام)، إذ الظهور هو بمعنى العلو والغلبة والوضوح. وهذه المعاني تتحقق على يديه (عجّل الله فرجه)، إذ هو الذي سيعلو على الظالمين بالدين وسيغلبهم وسيوضّح ما التبس على الناس من أمر دينهم وما خفي عنهم.
وهذا الإطلاق بهذا المعنى لا مشكلة فيه عقائدياً ولا روائياً.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: حميد حمزة العارضي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)